أخبار دولية

الانتخابات الأميركية: ترامب أو بايدن؟

المناظرة الأولى: فوضى ووقاحة غير مسبوقة

خاص “المنبّه” – واشنطن

السفير اللبناني المتقاعد مسعود معلوف

أسابيع قليلة تفصلنا عن الثالث من تشرين الثاني، موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية، حيث يتم التصويت، بالإضافة إلى الرئيس، على كامل أعضاء مجلس الممثلين (435 عضوًا) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33 من أصل  100، يضاف اليهم مقعدان شاغران أحدهما بسبب الوفاة والآخر بسبب الإستقالة، فيكون المجموع 35). الانتخابات الرئاسية تحصل كل أربع سنوات والإنتخابات النيابية كل سنتين، أما مجلس الشيوخ فمدته ست سنوات على أن يجري انتخاب لثلث أعضائه كل سنتين.

عدد من الولايات تسمح بالتصويت بصورة مبكرة قبل موعد الإنتخاب بفترة ومعظم الولايات تسمح بالتصويت عبر البريد. خمس ولايات في غرب البلاد (أوريغون، واشنطن، كولورادو، يوتاه وهاواي) يتمّ فيها التصويت عبر البريد فقط وذلك منذ سنوات عديدة.

مرشح الحزب الجمهوري هو الرئيس دونالد ترامب، ومرشح الحزب الديمقراطي هو جو بايدن الذي كان نائب الرئيس في عهد باراك أوباما. ترامب يبلغ 74 سنة من العمر وبايدن 77.  

يلعب المال دورًا كبيرًا في الإنتخابات ليس في سبيل شراء الأصوات وإنما لتغطية نفقات الدعاية في وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون، وفي سبيل تأمين نفقات انتقال المرشح والقيمين على حملته الانتخابية الى أكبر عدد من الولايات لإقامة مهرجانات انتخابية وبالتالي الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناخبين.

ترهيب وتخويف

خلافًا للحملات السابقة، لا يوجد برامج وخطط واضحة المعالم لأي من المرشحين، فالرئيس ترامب يركّز في حملته على ما يعتبره نقاط ضعف في خصمه مثل العمر مع أن الفارق بينهما ليس كبيرًا، ويتبع سياسة الترهيب والتخويف إذ يكرّر باستمرار في كل مناسبة أنه في حال فاز الديوقراطيون في الانتخابات فإن ذلك سيؤدي إلى خراب البلد وزيادة الضرائب أضعافًا عمّا هي عليه الآن، وأن الحزب الديمقراطي هو حزب اشتراكي يشجّع العنف في المدن وسيحجب الاعتمادات عن الشرطة ويضعفها وما إلى ذلك من وسائل لتخويف الناخبين من خصمه.

إخفاقات متتالية وادعاءات ومبالغات

أما بايدن، فإنه يركز على إخفاقات ترامب كرئيس للبلاد، خاصة في مسألة التصدي لجائحة الكورونا، إذ أهمل ترامب هذه المشكلة في بداياتها وقلّل من مخاطرها خوفًا من أن يتأثر الإقتصاد الوطني إذ يعتبره من أهم إنجازاته ويبالغ فيما تحقق اقتصاديًا، مدعيًا أنه أفضل رئيس لأميركا في تاريخها. يركّز بايدن أيضا على خبرته الطويلة في السياسة الأميركية إذ كان عضوًا في مجلس الشيوخ مدة 36 سنة ونائبًا للرئيس مدة ثماني سنوات”.

يتمتع ترامب بتأييد حوالى 35 بالماية من الناخبين الذين يدينون له بتأييد أعمى لا يتزحزح، معظمهم من المزارعين والبيض المتعصبين ضد أبناء العرق الأسود والمسلمين، كما يؤيده بقوة معظم الانجيليين الذين  يشكلون نسبة لا بأس بها من الناخبين. أما بايدن، فهو يتمتع أيضًا بنسبة مماثلة من الناخبين الذين لا يريدون ترامب رئيسًا بأي شكل من الأشكال وهم سيصوّتون لأ ي مرشح ضده. يبقى إذن حوالى ثلاثين بالماية من الناخبين المستقلين الذين سيسعى كل مرشح إلى استقطاب أكبر عدد منهم لجانبه.

المحكمة العليا عنصر جديد

عنصر جديد دخل منذ أيام على الحملة الإنتخابية وأصبح موضوع تجاذب قوي بين الفريقين وهو مسألة المحكمة العليا. ونظرًا لأهمية هذا الموضوع وتأثيره المرتقب على الانتخابات، لا بد من إعطاء شرح ولو مقتضب عنه.

تتألف المحكمة العليا من تسعة أعضاء وعندما يشغر مركز بالاستقالة أو بالوفاة (لا يوجد سنّ تقاعد لأعضاء المحكمة العليا) ، يعمد رئيس البلاد إلى ترشيح قاض ينبغي أن يصادق عليه مجلس الشيوخ بالأكثرية العادية أي 51 صوتًا، وفي حال تساوت الأصوات، يدلي نائب الرئيس الذي يعتبر أيضًا رئيسًا لمجلس الشيوخ بصوته لحسم النتيجة.

أهمية المحكمة العليا أنها تبتّ في كل القوانين والقضايا الخلافية التي ترفع إليها وفي معظم الأحيان هذه القضايا تطال المجتمع الأميركي في حياته اليومية مثل موضوع الإجهاض، واقتناء السلاح، وزواج المثليين وحقوقهم المدنية، وموضوع الضمان الصحي وغيرها من الأمور الحياتية الأساسية.

منذ حوالى أسبوع، توفيت القاضية روث بادر غينسبورغ والتي هي من الليبراليين المؤيدين لحقوق المرأة والمثليين وأصبحت المحكمة بغالبية 5 للمحافظين و3 لليبراليين وقد عمد الرئيس ترامب إلى ملء الفراغ حتى قبل إتمام مراسم دفن القاضية المتوفاة، عبر ترشيح قاضية محافظة للغاية مما من شأنه أن يعرّض حرية الإجهاض وزواج المثليين وقانون أوباما للضمان الصحي إلى إلغاء شديد الاحتمال خاصة وأن القاضية المرشحة لديها مواقف علنية معروفة في هذا المجال.

لهذه الأسباب أصبحت مسألة المحكمة العليا من أهم عناصر الحملة الانتخابية لكل من ترامب وبايدن، إذ يسعى كل منهما إلى إقناع المستقلين من الناخبين بموقفه من هذه الأمور، هذا مع العلم أن بايدن يتمتع ببعض التقدّم على ترامب ولكن حسب النظام الانتخابي الأميركي فإن الذي يفوز بأكثرية الناخبين لا يفوز بالضرورة بالرئاسة لان كل ولاية مخصصة بعدد من المندوبين حسب عدد سكانها والمرشح الذي يفوز بأكثرية الناخبين في ولاية ما يكسب جميع مندوبي الولاية. في انتخابات عام 2016 حصدت هيلاري كلينتون حوالى ثلاثة ملايين صوتًا أكثر من ترامب ولكن هذا الأخير فاز بالرئاسة كونه حصل على أكثرية مندوبي الولايات.

تطور آخر ملفت دخل فجأة على المعركة الرئاسية وهو تقرير صدر عن صحيفة نيو يورك تايمز بتاريخ 27 أيلول يتهم الرئيس ترامب بعدم دفع ضريبة الدخل لسنوات طويلة وهذا أمر يشكل جنحة في القانون الأميركي قد تؤدي إلى السجن في حال ثبت أن في الأمر عمليات غش، ولكن ترامب، كعادته، نفى ذلك بشكل قاطع واضعًا هذا التقرير في خانة الأخبار المفبركة. ولا بد من التوضيح هنا أن ترامب، خلافًا لجميع المرشحين والرؤساء السابقين في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، يرفض نشر معلومات عن ضرائبه مدعيًا أن مستندات الضرائب العائدة له هي قيد التدقيق لدى إدارة الضرائب منذ عشر سنوات وهذا أمر لا يصدّق. وإذا كان يريد فعلًا أن ينفي خبر عدم دفع الضرائب فما عليه إلا أن ينشر ما دفعه ولكن يبدو أن في مستندات ضرائبه، إن نشرت، ما قد يسيء لسمعته وحملته، ولذلك فهو يفضل نفي الخبر وعدم نشر هذه المستندات.

المناظرة الأولى: فوضى ووقاحة غير مسبوقة

تمت أمس، في التاسع والعشرين من أيلول، مناظرة بين المرشحين وهي الأولى من ثلاث مناظرات قبل الانتخاب، ولكن، خلافًا للعادة حيث تطرح الأسئلة من قبل المشرف على المناظرة بعد التوافق بين مندوبي كل مرشح على أدق التفاصيل بما فيها الوقت المخصص للإجابة، فقد تميزت هذه المناظرة بالفوضى وقلة التقيد بالشروط خاصة من قبل ترامب الذي دأب على مقاطعة بايدن بوقاحة وقلة تهذيب غير مسبوقة، كما أنه كان يقاطع المشرف على المناظرة ولا يتقيد بحد أدنى من النظام متجاوزًا  حدود التهذيب واللياقة، بينما كان بايدن يحاول أن يبدي وجهة نظره بصعوبة ليس لجهة مضمون مواقفه ولكن بسبب مقاطعة ترامب المتكررة له.

وكما كان متوقعًا، فقد كانت مواضيع المحكمة العليا وضرائب ترامب وطريقة مواجهته لأزمة الكورونا حيث أصيب حتى الأن سبعة ملايين مواطن في الولايات المتحدة وتوفي ما يزيد عن مائتي ألف منهم، كانت هذه أبرز المواضيع المطروحة مظهرة الخلاف العميق بين كل من المرشحين. إلا أن هذه المناظرة كانت سيئة للغاية بإجماع المراقبين إذ تميزت بالفوضى، وعدم قدرة المشرف عليها تأمين حد أدنى من النظام والهدوء في إدارتها.

معروف أن ترامب رجل عدائي وفوضوي لا يعطي للأخلاقيات والحقائق أهمية تذكر، ولكنه تجاوز كل الحدود في هذه المناظرة التي كانت غريبة للغاية ولم تكن إطلاقًا بالمستوى المقبول الذي عهدناه في جميع المناظرات في الإنتخابات السابقة لدرجة أن عددًا من المعلقين والمراقبين الإعلاميين تساءلوا عن جدوى تنظيم المناظرتين اللاحقتين.

معروف أن المناظرة عادة لا ترجح كفة التصويت لهذا المرشح أو ذاك إلا إذا أظهر أحد المرشحين تفوقًا واضحًا أو قلة معرفة وإدراك بالمواضيع المطروحة أو سوء أداء واضح، وقد يكسب المرشح أو يخسر بعض الناخبين بحسب أدائه في المناظرة، إنما المهم هنا أنه لا يمكن منذ الآن التكهن بمن سيفوز في الإنتخابات في الثالث من تشرين الثاني، وقد يتأخر إعلان النتائج إذ من المتوقع أنه، في حال فوز بايدن، فإن ترامب لن يقبل بالنتيجة وقد يطلب إعادة فرز الأصوات وهو قد نبّه مؤيديه في أكثر من مناسبة أن الديمقراطيين لا يمكن أن يفوزوا إلا إذا حصلت أعمال غش وتزوير، هذا بالإضافة إلى أن نسبة عالية من الناخبين سيصوتون بواسطة البريد، ما يتطلب وقتًا أطول لفرز الرسائل. كما أنه من المحتمل أن يرفع ترامب القضية إلى المحكمة العليا لتبت في النتيجة ولذلك فهو لم يتأخر في ترشيح خلف للقاضية المتوفاة ليضمن أكثرية لصالحه في حال عرضت نتيجة الانتخابات على هذه المحكمة. هذا مع العلم أن بعض المراقبين لا يستبعدون حصول أعمال عنف إذا فشل ترمب بالفوز بولاية ثانية.

 من غير المتوقع أن تكون المناظرة الثانية، المقررة في الثامن من تشرين الأول، أفضل من الأولى نظرًا لما نعرفه عن تصرفات الرئيس ترامب، ولكن يمكن القول باختصار من الآن أن نتيجة الإنتخاب ستحسم من قبل عدد قليل من الولايات التي يتساوى فيها إلى حد ما المرشحان في عدد المؤيدين وهي ولايات فلوريدا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا ونيفادا حيث أن معظم سائر الولايات معروفة نتائجها بصورة عامة إذ يسيطر فيها إما الديوقراطيون أو الجمهوريون. ينبغي أيضًا الأخذ بالاعتبار ما تؤكده أجهزة المخابرات الأميركية حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لمصلحة ترامب عبر نشر أخبار ملفقة عن خصمه على وسائل التواصل الإجتماعي علمًا أن ترامب ينفي هذا التدخل الذي، وإن حصل، من المستبعد أن يكون له تأثير كبير على نتيجة الإنتخابات.

وإذا شئنا في الختام وصف الإنتخابات الرئاسية الأميركية هذه السنة فيمكن القول أنها، بالنتيجة، استفتاء على شخصية دونالد ترامب لا أكثر ولا أقل.  

هنالك عوامل واعتبارات أخرى عديدة تدخل في الإنتخابات ولكن تفصيلها يتطلب دراسة موسعة لا يمكن حصرها  بمقال كهذا.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى