أخبار كندا

قصة كندية ساعدها افتتاح مطعم في العثور على عائلتها بعد سنوات طويلة(ج 2)

العثور على أهلها واكتشاف ذاتها من خلال الطعام

أرادت كوك منذ البداية أن يمثل فريق العاملين بالمطعم أكبر عدد ممكن من الشعوب الأصلية. وتقول كوك: “كثيرا ما يختزل الناس ثقافاتنا في الآثار في المتاحف أو القوالب النمطية في الأفلام. وقد يمنحنا الطعام الفرصة لإثبات أننا لا نزال موجودين، سواء كنا ننتمي لقبائل نوهالك أو كري أو أوجيبوي أو تسيمشيان، وأن ثقافاتنا لا تزال نابضة بالحياة”.

وسرعان ما اجتذب المطعم الكثير من الزبائن لا لتميز مذاق الطعام فحسب، بل أيضا بسبب رغبة الكثيرين في التعرف على كوك نفسها. وتقول كوك: “عندما نُشرت تعليقات لتقييم المطعم، ذكر المعلقون أن شخصا ينتمي إلى قبيلة نوهالك أسس مطعما جديدا. لكن مجتمع نوهالك لم يكن يعرفني آنذاك. وقد ساورت الكثير من أفراده مخاوف في أن يكون هذا من باب الاستغلال الثقافي لاسم القبيلة”.

وفي أحد الأيام، أمطرتها إحدى الزبائن بالأسئلة عن تاريخ عائلتها. وتقول كوك: “لحسن الحظ أني كنت أعرف أن أمي البيولوجية اسمها ميريام. وحين عدت إلى المرأة بعد أن تركتها دقائق لإحضار كوب الشاي، كانت قد أنهت مكالمتها الهاتفية مع أفراد مجتمعها، ومدت لي ذراعيها وقالت ‘سأكون أول واحدة ترحب بك في وطنك، فنحن أقارب'”.

وما لبث أن زارها خالها الذي وعد أمها ميريام بأنه سيجدها يوما ما. وتقول كوك: “على الرغم من السعادة التي شعرت بها إلا أني حزنت بشدة عندما أخبرني خالي بأن أمي قضت نحبها، فقد فقدت أما لم أعرفها قط، لكني تعرفت على عائلة جديدة كبيرة”.

الميرمية البيضاء

ودعاها خالها للعودة إلى مجتمعها لحضور أحد الطقوس التقليدية التي تقيمها القبيلة لمدة ثلاثة أيام وتعد أثناءها وليمة ضخمة، والتقت كوك بالمئات من ذويها وتلقت اسما تقليديا “سنيتسمانا” الذي يعني حامية الرقصة المقدسة.

وتقول كوك: “كنت أشعر أني غريبة تماما في عالم مختلف. لكن لحظة تلقي الاسم الجديد كانت مؤثرة إلى حد لا يوصف، وكانت بمثابة نقطة تحول. فقد منحتني شعورا بالانتماء. وأخذت شخصيتي تتغير وتتطور. فقد تعلمت الأعراف والعادات الثقافية للنوهالك، وأدركت معنى أن تكون واحدا من أفراد الشعوب الأصلية. وبينما كنت سابقاً أعاني من صراع بين انتمائي للسكان الأصليين وبين تنشئتي وسط عائلة بيضاء، فقد رحت أتقبل ببطء هذين الجانبين من هويتي وأتصالح معهما وأقدرهما”.

ولهذا ترى كوك أن الطعام ليس مجرد وجبة أو قيمة غذائية، وتقول: “لقد ساعدني في جمع شملي بعائلتي ومجتمعي وثقافتي بعد أن تفرقنا لسنوات طويلة. وعادت السكينة والهدوء إلى نفسي، وتعد قائمة الطعام في مطعم “سلمون آند بانوك” تجسيدا لهويتي الجديدة التي أعتز بها”.

تقول كوك إن الكثيرين من زوار فانكوفر، لا يرون شيئا من إرث شعوب “الأمم الأولى” (الشعوب الأصلية في كندا غير الإنويت والميتيس) سوى تلك الأعمدة التي تحمل رسوما طوطمية في متنزه ستانلي، في إشارة إلى المعلم السياحي الشهير الذي يستقطب ملايين الزوار سنويا.

وتقول: “هذه الأعمدة أصبحت مجرد خلفية لالتقاط الصور، لكن أحدا لا يعرف، وربما لا يهتم بمعرفة، أي شيء عن المعاني التي تمثلها هذه الرموز، ولا ثراء موروث القبائل الأصلية بالمدينة”.

ولهذا تعتزم كوك إقامة مطعم صغير في منطقة المغادرة بمطار فانكوفر الدولي، تعرض فيه أعمال فنية للشعوب الأصلية في كولومبيا البريطانية وتقدم أطباقا تقليدية من مطبخ السكان الأصليين. وتقول: “إذا لم يكن الزائر قد عرف شيئا عن السكان الأصليين خلال زيارته، سيتيح له المطعم الفرصة للتعرف على هذا الموروث أثناء انتظار رحلته. وسيساعدني التواجد في المطار في نشر الرسالة على مستوى العالم”.

ودشنت كوك حملة لمطالبة شركات الطيران بتغيير صياغة إعلاناتهم قبل الهبوط، بحيث يضيفوا إلى عبارة “مرحبا بكم في فانكوفر”، اعترافا بأن المدينة تقع على أراضي شعوب ساحل ساليش، السكان الأصليين للمنطقة قبل وصول المستعمرين الأوروبيين بزهاء تسعة آلاف سنة، ولم يتنازل هؤلاء عن أراضيهم أو يتخلوا عن حقوقهم فيها بموجب مواثيق قانونية.

وترى أن هذا الإعلان ربما يثير اهتمام بعض الركاب على الطائرة ويدفعهم للبحث عن المزيد من المعلومات عن هذا الأمر. وتقول: “إن الاعتراف بحق هذه القبائل في الأراضي قد يكون خطوة بسيطة ولكنها ضرورية لتكريم المالكين الأصليين للمكان. وقد يدل على احترام علاقة السكان الأصليين بالأرض. وربما يصبح خطوة نحو تصحيح الأخطاء العديدة التي ارتكبت في الماضي”.

الأعمدة الطوطمية

الطبق المفضل

تقول كوك إن طبق برغر السلمون المدخن بنكهة الميرمية يجمع بعض عناصر ثقافة الشعوب الأصلية في طبق واحد. وتفسر ذلك بالقول: “إن السلمون يمثل أهمية دينية للكثير من الشعوب الأصلية، بحكم هجرته الاستثنائية التي يتحول خلالها من طور لآخر. فهو يولد في الماء العذب ويهاجر إلى الماء المالح ثم يعود للماء العذب ليضع بيضه ويموت، وكأنه يجسد دورة الحياة”.

وتستخدم كوك أعشاب الميرمية المجففة في تتبيل السمك ومعالجته بعملية التدخين، من خلال تعريضه للدخان الناتج عن حرق الميرمية، الذي يعده السكان الأصليون عشبا مقدسا.

وتقون كوك: “يُحرق عشب الميرمية عادة أثناء الطقوس والمراسم المهمة ليملأ بخاره المكان. وقد استلهمنا من هذه العادة، طريقة بسيطة لتدخين اللحوم والأسماك في المنزل بدلا من معامل التدخين. تتمثل هذه الطريقة في تعريض اللحوم للدخان الصادر عن حرق نبات الميرمية ليُكسب الطعام نكهة طبيعية”.

وفي النهاية يقدم السلمون مع خبز البانوك المخبوز في المطعم، وتقول كوك: “إن كل قطعة خبز تقسم إلى نصفين، ويرمز تقسيم الخبز إلى أن الجميع، على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم، مرحب بهم على المائدة”.

المصدر بي بي سي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى