.tie-icon-fire { display:none; }
إقتصاد

إلى أين يحمل خافيير مايلي الاقتصاد الأرجنتيني؟

يتبنى مايلي ما وصفه بـ “ثورة السوق الحرة في اقتصاد متعثر”، وقد قدّم للكونغرس قانوناً شاملاً يلخص رؤيته للإصلاح الاقتصادي في البلاد، بما في ذلك تقليص دور الدولة، في ظل تعثر الاقتصاد الأرجنتيني وبلوغ معدلات التضخم إلى نحو 211 بالمئة (أعلى مستوى في 32 عاماً).
وعادة ما يوصف مايلي -الذي تولى الرئاسة في ديسمبر الماضي- بأنه “مُثير للجدل”، ويشبهه البعض بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وفيما تموج الأرجنتين بحركات احتجاجية على سياساته التحررية الأوسع، فإنه يُبدي من جانبه تمسكاً بتلك السياسات، ولا يرى بديلاً بالنسبة لإنقاذ البلاد سواها.
الرئيس مايلي، أكد نيته فيما يخص الدولرة، مشدداً على أنه “لا توجد خطة بديلة ” لدى حكومته، وذلك في مقابلة مع صحيفة ” وول ستريت جورنال” الأميركية نشرتها خلال الساعات الأولى من صباح الأحد، أكد فيها أن البلاد تحتاج إلى استثمارات عاجلة لمواصلة التصحيح المالي.
قال عن ضرورة تنفيذ التغييرات والتعديلات التي يتضمنها القانون الشامل الذي طرحه بالبلاد: “هذه العملية يمكن أن تستمر حوالي عامين، وصحيح أن هناك إشارة تحذيرية تقول أنه من الصعب الصمود أكثر من عام”.
أكد في الوقت نفسه أن خطابه المثير للجدل في منتدى دافوس الاقتصادي كان بهدف جذب انتباه المستثمرين إلى البلاد.
وقال أيضاً: “صحيح أننا بحاجة إلى استثمارات، لأن أحد الأشياء التي تحدث هو أنه عندما تقوم بتعديل مالي فإنك تزيد من المدخرات، ولكن إذا لم يكن هناك استثمار مقابل، يحدث انخفاض في النشاط الاقتصادي والتوظيف والأجور الحقيقية”.
بهذا المعنى، أشار مرة أخرى إلى أن أحد الحلول لإدخال الأموال بسرعة إلى الخزانة الوطنية سيكون من خلال خصخصة الشركات.
وتابع مايلي: “سأفعل كل ما يمكنني بيعه من الشركات الحكومية في أسرع وقت ممكن.. ولكن هناك قيود مؤسسية”.
تعكس تلك التصريحات جانباً من سياسات مايلي الاقتصادية، والتي بدأت تترسخ بعد أكثر من شهر ونصف من توليه السلطة حاملا معه حزمة واسعة من مشاريع القوانين لإزالة الضوابط الاقتصادية وتخفيض قيمة العملة بنسبة 54 بالمئة وفرض تدابير تقشفية من كل حدب وصوب.
بينما “يفور الناس غضباً” من تلك السياسات، والنهج الاقتصادي شديد التحرر، وفق ما صرح الأمين العام للاتحاد العمالي العام هكتور دايير.
وعلى الصعيد القضائي، بات المرسوم الصادر في منتصف ديسمبر الذي يرسي أسس هذه الإصلاحات موضع أكثر من 60 طعنا في المحاكم بحجة مخالفته لأحكام الدستور.
وتعتبر الحكومة من جهتها أن المعادلة بسيطة، إذ “ما من بديل” للإصلاحات وسياسات التقشّف لتقويم حسابات بلد تثقل الديون كاهله (عجز في الميزانية يساوي 2.9 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2023، أعلى بنقطة واحدة من الهدف المحدّد) وضمان استقرار اقتصاد يخنقه التضخم بنسبة 211 بالمئة في السنة.
إصلاح جذري
من جانبها، تقول الباحثة المتخصصة في شؤون أميركا اللاتينية، الدكتور صدفة محمد، إن الحديث عن سياسات الرئيس مايلي يجب أن يسبقه الاعتراف بأن فوزه كان صدمة كبيرة للكثير من المراقبين والمحللين الدوليين؛ لأنه أتى من خارج المؤسسة السياسية؛ فهو لا ينتمي للأحزاب الرئيسية التي تناوبت حكم الأرجنتين خلال العقود الماضية، كما أن فارق الأصوات بينه وبين مرشح الحزب الحاكم كبير.
وتوضح في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” خطوات الإصلاح الجذري التي يتبعها الرئيس الأرجنتيني الجديد والتي تمثلت في:
تخفيض الإدارات الحكومية من 18 إلى تسع إدارات.
تخفيض الدعم الحكومي للطاقة والنقل.
إيقاف المناقصات المتعلقة بالأشغال العامة الجديدة.
تخفيض قيمة العملة (بأكثر من 50 بالمئة).
إلغاء ومراجعة أكثر من 200 قانون متعلقين بالتنظيم الحكومي للاقتصاد.
تخفيف قبضة الدولة على الاقتصاد وتيسير حركة الاستيراد والتصدير.
ولكن هذه السياسات أدت إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم معدل التضخم في ظل توقعات بأن يصل إلى 213 بالمئة في العام 2024، ما أدى إلى سخط النقابات العمالية -والتي تتخذ موقفا سلبيًا من مايلي- وتنظيمها عديد من المظاهرات والاحتجاجات وأضافت: يسعى مايلي أيضا للدولرة وإلغاء البنك المركزي، ولكن حتى يتثنى له هذا يحتاج إلى دعم الكونغرس والذي تتكون أغلبيته من الأحزاب اليسارية المعارضة لسياسة مايلي.
وأشارت إلى أن مايلي يواجه صعوبات خارجية كبيرة تتعلق بعلاقته مع الصين –من أهم الشركاء التجاريين للأرجنتين-التي هاجمها في فترة الانتخابات ووجه لها انتقادات واتهامات وشديدة وصلت إلى تهديده بقطع العلاقات معها، وقراره رفض دعوة الانضمام إلى تجمع “بريكس”.
ورغم محاولات وزيرة الخارجية الأرجنتينية التي اجتمعت أخيراً مع السفير الصيني لمحاولة تهدئة الوضع وتحسين العلاقات، إلا أن التوجه العام للرئيس الجديد يتجه أكثر ناحية الأجندة الأميركية.
وتؤكد الباحثة في شؤون أميركا اللاتينية أن الأرجنتين الآن تعول بشكل كبير على دعم الولايات المتحدة الأميركية لاقتصادها، وللحصول على صفقات جديدة من صندوق النقد الدولي الذي أفرج في الفترة الماضية بدعمٍ أميركي عن 4.7 مليار دولار للأرجنتين.
الاشتراكية
وعبر الرئيس الأرجنتيني عن سياساته الاقتصادية والنهج الذي يتبعه بشكل لافت خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، عندما اعتبر أن الاشتراكية تمثل تهديدا للغرب.
في أول رحلة خارجية له منذ انتخابه، انتقد مايلي “العدالة الاجتماعية” و”النسوية الراديكالية”، في حين أثنى على رواد الأعمال الذين وصفهم بأنهم “أبطال”.
قال مايلي “أنا هنا اليوم لأقول لكم إن الغرب في خطر”، مروجا لرأسمالية السوق الحرة باعتبارها الحل الوحيد القابل للتطبيق لمشكلة الفقر.
أضاف أن الغرب في خطر “لأن أولئك الذين يُفترض أن يدافعوا عن قيم الغرب جرى تفويضهم مع رؤية للعالم تؤدي حتما إلى الاشتراكية وبالتالي إلى الفقر”.
تحديات اقتصادية
من جانبه، يوضح الباحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية، عطيف محمد، أن الأرجنتين من ضمن الدول التي لها مكانة اقتصادية واسعة في منطقة أميركا اللاتينية، إلا أنها تعاني من مشاكل اقتصادية ضخمة بفعل مجموعة من التحديات سواءً على المستويين الداخلي أو الخارجي.
على المستوى الداخلي، يواجه الرئيس مايلي تحديات لا بد أن يتعامل معها بشكلٍ إيجابي وعقلاني عن طريق برامج اجتماعية؛ منها مشكلة التضخم الذي وصل إلى معدلات مخيفة، ونسبة الفقر التي تجاوزت 40 بالمئة من شعب الأرجنتين.
وعلى المستوى الخارجي تواجه الأرجنتين منافسة من الدول ذات الثقل الاقتصادي بمنطقة أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى برامج صندوق النقد الدولي واشتراطاتها.
ويضيف عطيف في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن إيقاف مايلي، خطوات انضمام الأرجنتين إلى (البريكس) قد يعرقل مسيرة إنقاذ الاقتصاد الأرجنتيني؛ لتضييعه فرصة الاستفادة من وجود دول كبرى اقتصاديًا مثل (الصين وروسيا)، وإن كان هذا القرار يرجع إلى أن مايليمن حزب يميني ويحاول أن يبلور سياساته وفقًا للأجندة الأميركية، حتى أن البعض يسمونه بـ”ترامب أميركا اللاتينية”.
السياسات الخارجية والتجارة
وعندما سئل الرئيس الأرجنتيني، في الحوار المشار إليه، عن موقفه من التحالفات والتموضع العالمي، أحدث اختلافاً في خطابه الحالي مقارنة بالخطاب الذي تمسك به خلال الحملة الانتخابية. وأوضح مايلي أنه لا يستهجن قدرة الشركات الخاصة على التفاوض مع الصين، لكنه لا يشارك الرؤية الجيوسياسية للعملاق الآسيوي.
وأضاف: ” لن أتحالف مع الشيوعيين ونرفض أن نكون جزءًا من البريكس.. لكن المسألة التجارية لا ينبغي أن تتأثر.. فهذا جزء من القطاع الخاص، لكنهم ليسوا شركاء استراتيجيين لنا..يجب أن نفصل الرؤية الجيوسياسية عن الرؤية التجارية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى