شخصيات

أنجيلا ميركل.. “الخجولة” التي أصبحت “أقوى” سيدة في العالم

من كان يتوقع أن تصبح هذه الطفلة واحدة من أقوى سيدات العالم. غيرت أوروبا، وغيرت ألمانيا، وقبل كل شيء غيرت حياة أولئك الذين منحتهم قبلة اللجوء.

لم تنجب أبناء من رحمها لكن في كل زاوية من ألمانيا تقريبا توجد الآن طفلة باسم أنجيلا ميركل، تلك كانت طريقة آلاف العائلات السورية والعراقية والأفغانية في التعبير عن الامتنان للخالة والأم ميركل التي تحدت أوروبا ورفضت إغلاق الباب أمام اليائسين الهاربين من براثن الحرب والموت.

أنغيلا ميركل

أسطورة حكم ألمانية حيّة.. خبرها الألمان عام 1989 فتاة يافعة خجولة اقتادها المستشار الألماني المخضرم هيلموت كول من مختبرات الكيماء إلى أروقة السياسة.. فتغلبت عليه وأزاحته وتفوقت على كل المنافسين.

صعدت من منصب لآخر حتى بلغت رئاسة الحزب.. واستقر بها المقام كأول مستشارة في تاريخ ألمانيا بعد أن أطاحت بمعلمها ووالدها الروحي هيلموت كول عن سدة حكم دام لها من بعده 16 عاما كاملة حتى أعلنت عن تنحيها وتخليها طوعاً عن السلطة. مُنحت لقب أقوى امرأة في العالم على مدى سنوات متتالية. وصفها إعلام العالم بالمرأة الحديدية لقدرتها على الاحتفاظ بالحكم كل هذه المدة.. واشتهرت بقدرتها على تسطيح الانتقادات وبراعتها في إدارة الأزمات.. فلم تتمكن أي انتقادات من الالتصاق باسمها رغم كثرتها.

أما في دول جنوب أوروبا فيصفها الإعلام بالمتجبرة وتنعت في إسبانيا واليونان بهتلر الجديد لفرضها إجراءات تقشف قاسية على تلك الدول لإنقاذها من الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008.

النشأة

اسمها أنجيلا كاسنر أما لقب ميركل فهو من زوجها الأول أولريخ ميركل، الذي انفصلت عنه عام 1981، وآثرت الإبقاء على اللقب رغم ارتباطها بزوجها الحالي جواكيم ساور منذ آواخر التسعينيات. ولدت عام 1954 بمدينة همبورغ بألمانيا الغربية… لعائلة متدينة إذ كان والدها قسا، انتقلت معه إلى ألمانيا الشرقية حيث عمل في كنيسة بقرية نائية.

حصلت على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية وعملت حتى عام ١٩٩٠ باحثة في الكيمياء الفيزيائية.. لم تختر ذاك المجال شغفاً بل لأنه المجال الوحيد الذي لا يستطيع الشيوعيون تغيير حقائقه حسب تعبيرها. مع ثورات التحرر من السوفييت عام ١٩٨٩ التي طالت المانيا الشرقية.. كان مستشار المانيا الغربية حينها ”هيلموت كول“ يبحث عن كل ما من شأنه ترسيخ الوحدة بين الألمانيتين.

فرأى في ميركل شخصية اختزلت قطاعات متنوعة من المجتمع فهي امرأة وشابة متعلمة ومن ألمانيا الشرقية، وتلك مواصفات تطلبتها المرحلة… فتطورت العلاقة بينهما حتى أصبح يسميها ابنتي في كل محفل.. وصار يعتبر في مرجعيتها التاريخية معلمها ووالدها الروحي.

في الظاهر .. بدت ميركل ريفية هادئة وبسيطة.. لم تُلحظ عليها أي من مظاهر الدهاء السياسي أو ملامح القيادة الصارمة.. لكن سرعان ما بدأت الأضواء تسلط على نهجها العملي القائم على التحليل والتأني في اتخاذ القرارات.

في العام ١٩٩٨ نالت من كول فضيحة مالية تتعلق بتبرعات الحزب، فانقلبت عليه وطالبته علنا بالتنحي في مقال كتبته بقلمها وتناولته مختلف الصحف الألمانية.. وبعد الإطاحة به وإرغام خليفته على الاستقالة لذات الفضيحة انتخبت عام ٢٠٠٠ رئيسة للحزب لتصبح أول ألمانية شرقية تتزعم حزبا ألمانيا.

وسرعان ما انتخبت عام 2005 أول مستشارة في تاريخ ألمانيا ثم أعيد انتخابها في عام ٢٠٠٩ حيث ظهرت في تلك الحقبة بصورة مغايرة سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية حينما ألقي على كاهل الألمان مسؤولية إنقاذ القارة العجوز من الإفلاس وانهيار اليورو .. لتصبح رمزا للتقشف القاسي في تلك الحقبة.

وعندما ضاق العالم الغربي ذرعا باللاجئين تحدت ميركل أوروبا كاملة بسياسة الباب المفتوح فأدخلت إلى المانيا نحو مليون لاجئ معظمهم من السوريين.. رغم علمها أن ذلك سيفقدها جزءا كبيرا من شعبيتها.. إلا أنها تمكنت من خلال قرارها ترميم سوق العمل الذي يعاني من حالة عدم اتزان بين الفئات العمرية.

والآن يعبر هؤلاء عن الامتنان فخلال الوباء ، قام اللاجئون بخياطة الأقنعة وتطوعوا للذهاب للتسوق من أجل كبار السن الألمان المعزولين في المنازل. وخلال الفيضانات الأخيرة في غرب ألمانيا ، توجه اللاجئون إلى المناطق المنكوبة للمساعدة في التنظيف. وتظهر أحدث الإحصاءات الحكومية أن المهاجرين الذين وصلوا في عامي 2015 و 2016 يندمجون بشكل مطرد في المجتمع الألماني.

واحد من كل اثنين لديه وظيفة.. أكثر من 65 ألفا مسجلون إما في الجامعات أو برامج التدريب المهني. ويعيش ثلاثة من كل أربعة في شققهم أو منازلهم ويقولون إنهم يشعرون ”بالترحيب“ أو ”الترحيب الشديد“.

حياتها الشخصية

تعيش أنجيلا حياة بسيطة مع زوجها الملقب في ألمانيا بالشبح لقلة ظهوره الإعلامي إذ تتسوق من المتاجر العامة حتى أنها تقيس أحذيتها قبل شرائها، أما باقي اهتماماتها فتنحصر في الطبخ، ومشاهدة مباريات كرة القدم.. تمنع حراسها من إغلاق الطريق ليمر موكبها.. تخاف الكلاب منذ هاجمتها في عام ١٩٩٥.. أمر استغله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين أدخل عليها كلبه الضخم، فاتهمته بمحاولة إبراز رجولته رغم ادعائه عدم معرفته بخوفها من الكلاب.

لا تسكن قصراً ولا تملك يختا ولا حتى طائرة خاصة. لم تستبدل موظفيها.. وتتجنب الاتصال بهم في العطلة الأسبوعية. كانت مستقيمة وإنسانية في كل قراراتها وتصرفاتها.. لكت كل تلك الصفات السامية مُزجت على طريقة أهل الكيمياء بمآرب سياسية ومصالح وطنية.

ترحل ميركل عن الحكم تاركة للمرأة إرثا تتغنى به ويوطد مكانتها ولحكام العالم دروسا في فن السياسة والتعاطف وحنكة في إدارة الأزمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى