إقتصاد

ينذر بحروب محتملة في ظل الجفاف الذي يهدد المنطقة (ج2)

معالجة أزمات الامن المائي في المنطقة أولوية تفرضها التحديات

خاص “المنبّه” – مازن مجوّز

تحذيرات من جفاف حتمي ومن انهيار السد

وفي لغة الارقام، نجد أن  عملية البناء  بدأت عام 2011، وتستغرق 8 سنوات. ويبدأ التشغيل الأولي للسد في  كانون الثاني/ يناير  2020. فيما  يبلغ ارتفاعه نحو 145 متراً، وطوله نحو 1800. أما  تكلفة الإنشاء فتقارب 4.7 مليار دولار، وفق تقرير نشره الموقع الإلكتروني ل”إذاعة مونت كارلو الدولية” على موقعها الالكتروني في 6 تشرين الاول / اكتوبر 2019 .

ويصنف التقرير السد بأنه أكبر سد للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، والعاشر عالمياً، وبسعة تخزين تصل الى 74 مليار متر مكعب، ما يعادل الحصة السنوية لكل من : مصر والسودان. ويتضمن 15 وحدة لإنتاج الكهرباء، ومن المتوقع أن ينتج 6 آلاف ميجا وات من الطاقة الكهربائية.

بالنسبة الى المخاطر المترتبة على عمليات ملء وتشغيل السد ، يبرز التحذير؛ الذي تضمنه بحث مشترك أجرته 4 جامعات عالمية من خطورة عدم الاتفاق بين إثيوبيا والسودان ومصر، حول آلية تنسيق وتبادل بيانات محكمة بشأن السد لمواجهة موجة جفاف حتمي قد تنجم عن هذه العمليات، وتترك تأثيراتها السلبية على مصر والسودان.

ويبرز البحث الصادر حديثاً ضرورة وأهمية التخطيط المنسق  لمواجهة المخاوف؛ التي يمكن أن تنتج عن عمليات الملء وتشغيل السد- وإن لم يكن إحتمال حصولها وارداً على المدى المنظور- وفق ما اورد هذا البحث المنشور على موقع جامعة مانشستر، والذي أجرته بشكل مشترك مع كل من “جامعة نورث كارولينا” في “تشابل هيل” و”جامعة كولورادو بولدر” و”جامعة ديوك”.

بدوره يتوقع خبير المياه والسدود  المهندس أحمد عبد الخالق الشناوي في حديث تلفزيوني في 11 حزيران/ يونيو 2020  إنهيار هذا السد؛ الذي يبلغ ارتفاعه 145 متراً ، محذراً من أنه سيُغرق السودان ومصر بالمياه، مذكراً بالتغلغل الإسرائيلي في شؤون دول منابع النيل خصوصاً أثيوبيا باعتبارها المصدر الأساسي للنیل، وتزوده بـ 86 %من میاهه، كاشفاً أن إسرائيل هي من خطط وقدم الدعم المالي لمشروع سد النهضة.

إسرائيل خططت ودعمت سد النهضة

في المقابل تبرز إسرائيل في هذا النزاع بأطماعها القديمة جداً؛ حيث تستند  العقيدة الصهيونية بإقامة إسرائيل الكبرى إلى تفسير “توراتي”، يزعم بأن حدودها تمتد من النيل الى الفرات، ومن بين التصريحات الرسمية؛ التي تدعم هذه العقيدة ما أعلنه “تيودور هيرتزل” مؤسس الصهيونية العالمية عام 1904، بأن ” حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر مصر إلى الفرات، ثم تبعه بن غوريون رئيس الوزراء إسرائيل الاسبق بتصريحه”  إن إسرائيل (فلسطين) ليست إلا جزءاً من وطننا”، وذلك في العام 1952 .

وإنطلاقاً من ذلك، يأتي دورها غير المباشر في صراع المياه حول نهر النيل، ومساعيها للحصول على جزء من مياهه عبر قناة السويس، ونتيجة لذلك تلعب “إسرائيل” دوراً غير مباشر في صراع المياه بين دول حوض النيل؛ حيث دعمت أثيوبيا في بناء عدد من السدود الكبيرة على نهر النيل بهدف حجز مياهه بدايةً، ثم تحويلها إليها للإستفادة منها.

الغاب سلاح تركيا لتعطيش جيرانها

وإنتقالاً إلى عملية السيطرة ووضع اليد الثانية، فتتجلى بسيطرة تركيا على مياه الفرات على حساب حصّة سوريا والعراق منها، غير آبهة بالأعراف الدولية بشأن الأنهار العابرة للحدود؛ بدليل ما باتت تعاني منه مناطق شمال شرق سوريا من تراجعٍ واضحٍ في مستوى نهر الفرات، فعلى سبيل المثال لم يبلغ هذا النهر ثلث تدفقه المعتاد في محافظة دير الزور في الثلث الثالث من هذا العام، ما يُفسر الإنخفاض الحاد في منسوب مياه السدود المشار إليه في بيان إدارة السدود في شمال سوريا وشرقها في 27 حزيران/ يونيو 2020 بأقلّ من ربع الكمية المتّفق عليها دولياً؛ الأمر الذي أثّر في الكهرباء؛ التي تغذّي مناطق الجزيرة السورية؛ التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها.

وتتمثل هذه السيطرة بشكل رئيسي بمشروع الغاب “GAP  ” جنوب شرق تركيا، وكلف بناء مشروع سد النهضة أكثر من 35 مليار دولار؛ حيث ترى فيه  “مشروعاً إستراتيجياً”، وتعتمد في إقامته بشكل رئيسي على نهري دجلة والفرات، ولطالما أكدت السلطات التركية أنه بمثابة الحياة بالنسبة إليها؛ حيث يتضمن بناء 22 سداً ، 14 منها على نهر الفرات و8 منها على نهر دجلة.

مع العلم أن مساحة الأرض؛ التي يرويها المشروع  تقدر بنحو 1.7 مليون هكتار من الاراضي الزراعية؛ وهي  تشتهر بزراعة الفواكه والمحاصيل الاستراتيجية، وتولد المحطات الهيدروكهربائية نحو 23 مليار ميغاواط /ساعة، وتقدر القدرة التخزينية للمشروع بنحو 100 مليار متر مكعب، وهذه القدرة تمثل ثلاثة أضعاف القدرة التخزينية للسدود العراقية والسورية مجتمعة.

الأمن المائي أبرز تحديات تركيا المستقبلية

وبمعنى آخر تكون  تركيا إستولت على 80% من طاقة تصريف الفرات، و20%من طاقة تصريف دجلة. لتنخفض كمية المياه؛ التي تعبر الحدود التركية إلى  13 مليار متر مكعب وهي كمية لا تكفي لسدّ حاجات العراق وحده من المياه، مقابل 28 مليار متر مكعب كانت تعبر الحدود قبل تنفيذ المشروع التركي، وفق ما يشير المهندس الزراعي اللبناني حسين رمال في مقال له بعنوان “مسلسل التعدّيات على المياه العربيّة: سدّ النهضة – الليطاني – أنابيب السلام” نشر في 12 تشرين الاول/ أكتوبر الحالي؛ في صحيفة الاخبار اللبنانية.

لقد شهدت السنوات الماضية توتراً بين العراق وتركيا بسبب مشروع الغاب لتلبية إحتياجاتها من الكهرباء وزيادة محاصيلها الزراعية، إلا أن الأمن المائي يبقى يشكل بالنسبة لتركيا تحدياً مستقبلياً كبيراً، في ظل التوقعات بارتفاع درجات الحرارة فيها بين 2.5 و3.5 درجة مئوية وانخفاض كميات الأمطار بين 25 و35 في المئة مع حلول العام 2100، مع ما تحمله هذه التغيرات من تأثير كبير على الموازنة المائية في تركيا.

حتى اليوم، تبدو مكونات مشهد الامن المائي في تركيا أفضل حال عما هو عليه في سوريا، ولا يزال العراق هو الضحية الأكبر للسياسات التركية المائية، وهي لا تتوقف فقط عند الازمات المائية المتلاحقة بل بالجفاف( الآنف الذكر ) لنهر الفرات بإتجاه الجنوب؛ الذي وسيبلغ ذروته في العام 2025، فيما نهر دجلة بدأ يتحول الى مجرى مائي منخفض المنسوب .

يبدو لافتاً أن تركيا عمدت إلى إقامة هذا العدد الكبير من السدود بما يفوق حاجتها المعقولة،  ضاربةً عرض الحائط بالمواثيق والمبادىء القانونية الدولية؛ التي تنظم عملية إقتسام مياه الانهار الدولية، فإن ذلك يقودنا إلى التذكير بأنها إلى جانب الصين وبوروندي تعتبران الدول الثلاث الوحيدة؛ التي صوتت ضد “اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدامات المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية” عام 1997  فيما صوّت لصالحها مائةٌ وثلاث من الدول (من بينها السودان).

وترتكز هذه الاتفاقية على المبادئ القانونية؛ التي تحكم استغلال الأنهار الدولية بشكل منصف والتوزيع العادل لمياه شبكة الأنهار الدولية في غير شؤون الملاحة.

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الإنقسام الحاصل بين آراء المراقبين والباحثين حيال قضية نزاعات المياه وقضايا الامن المائي في المنطقة يبقى سيد الموقف؛ حيث يرى فريق مستقبلاً قاتماً للأزمة وينذر بما سمي “حروب المياه” باعتبارها أحد سيناريوهات مستقبل أزمة المياه؛ التي ستكون البلاد العربية أحد أكبر ميادينها. يقابله فريق متفائل يجد في الأزمة حافزاً للعلماء والقادة على تسخير العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة في إبداع مزيد من الحلول والبدائل المناسبة.

ومن بين أبرز الأسئلة؛ التي يطرحها الفريق الأول : هل يصبح “الذهب الأزرق” “وقود صراعات الغد” ؟ ولا سيما بين دول المنبع ودول المجرى أو المصب لكل من نهري النيل ودجلة والفرات نظرا للأهمية “الإستراتيجية والجيوبوليتيكية”؛ التي إكتسبتها بعض الدول المشاركة في أحواض هذين النهرين بشكل أكبر على حساب بقية الدول المشاركة فيها . والسؤال الثاني : هل سينعكس واقع المياه المتأزم على “الواقع الجيو سياسي” في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ؟ وكيف ستترجم الآمال المعقودة على مفتاح الدبلوماسية المائية حيال ما تحاول بعض الدول من فرضه كأمر واقع ؟.

في المقابل يؤكد خبراء المياه في المنطقة أن السلام العالمي مرهون بضمان حق الدول في الاستفادة من المياه، وهؤلاء يمثلون الفريق المتفائل بإيجاد الحلول بشكل سلمي وعلمي منطلقا من “حقوق الدول المتشاطئة لهذه الانهار الدولية  في تقاسم مياهها بشكل منصف وعادل”.

وفي كل الأحوال فإن ملفي نهري النيل ودجلة والفرات هما ملفين ذات ابعاد امنية واقتصادية وثقافية، لكنهما وحتى اليوم  لم يتم البت بهما بشكل نهائي لدى الجهات الدولية المختصة، في ظل إعتبار دول الممر والمصب لكل نهر بأن دول المنبع تنظر الى الأزمة نظرة مختلفة عن النظرة المتفق عليها وفق القوانين الدولية، واتهامها بخرق مبدأ ” عدم الحاق الضرر”.

لكن يبدو أن قواعد اللعبة اليوم باتت تخضع ل” مصالح الدول” السياسية والاقتصادية  حيال قضايا المياه ، شريان الحياة على الأرض، أكثر منه إحترام المبادىء؛ التي تفرضها القوانين الدولية، ليبقى السؤال أي منطق سيسود في حرب المياه في النهاية؟ هل منطق السلام والعقل والحوار ؟ أم منطق الحرب والمواجهات العسكرية في خضم تمسك كل الدول المعنية بهذين النهرين بالحفاظ والدفاع عن الأمن المائي الخاص بها ؟

كادر

– حتى اليوم لم تنجح جولات المفاوضات بين كل من مصر وأثيوبيا والسودان؛ التي انطلقت في العام 2013 ، ولا الوساطة الافريقية والدولية في الوصول الى تسوية مرضية لأزمة النيل .

– اتسم السلوك التركي المائي بعدم الالتزام، فتركيا غير مبالية بالاتفاقيات المعقودة بينها وبين سوريا وتبدو اليوم كمن يتحكم بمياه الصنبور في تعاملها مع المياه الواردة الى سوريا والعراق.

– حتى اليوم من بين الحلول المطروحة هو إلتزام الدول؛ التي تخالف المبادىء القانونية لإتفاقية الامم المتحدة بشأن قانون استخدامات المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى