علوم وتكنولوجيا

ما التغييرات التي سيجريها بايدن في برامج الفضاء؟

خاص “المنبّه” – سامي خليفة

وضع دونالد ترامب أهدافاً جريئة لاستكشاف الفضاء خلال فترة وجوده في سدة الرئاسة، من المهمات المأهولة إلى القمر والمريخ وصولاً إلى القوة الفضائية. وعلى النقيض من ذلك، ظهر خليفته جو بايدن هادئاً نسبياً عند عرضه برنامجه الانتخابي بشأن سياسة الفضاء. ونستعرض في هذه المقالة كيف من المحتمل أن يتغير استكشاف الفضاء مع الإدارة الأميركية الجديدة.

العودة إلى القمر

خلال إدارة ترامب، التزمت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”بعودة رواد الفضاء إلى القمر عام 2024 في إطار برنامج أرتميس ( برنامج رحلات فضائية تابع لوكالة ناسا، وشركات الطيران الفضائي التجارية الأميركية، والشركاء الدوليين مثل وكالة الفضاء الأوروبية ). ومن المتوقع أن يستمر بايدن في إطلاق البرنامج التجريبي الأول “أرتميس”1 (بدون طاقم) العام المقبل.

يمكن العثور على الدليل الجوهري الوحيد الذي يشير إلى اتجاه رئاسة بايدن فيما يتعلق برحلات رواد الفضاء إلى القمر في وثيقة وضعها الحزب الديمقراطي بعنوان “بناء اقتصاد أقوى وأكثر عدلاً”. في إحدى الفقرات، صرح الديمقراطيون بأنهم “يدعمون عمل وكالة الفضاء الأميركية لإعادة الأميركيين إلى القمر والذهاب إلى كوكب المريخ، واتخاذ الخطوة التالية في استكشاف نظامنا الشمسي”.

لا يتم تقديم أي تفاصيل في الوثيقة عن الجداول الزمنية الممكنة. ولكن، نظراً لأن التعاون الدولي أصبح الآن سمة رئيسية لبرنامج “أرتميس”، فسيكون من الصعب على إدارة بايدن الوليدة الانسحاب من جانب واحد من المشروع. وللتذكير تُعد كندا ووكالة الفضاء الأوروبية واليابان شركاء رسميين في بناء بوابة القمر، وهي قاعدة استيطانية تدور حول القمر مصممة لدعم الرحلات الاستكشافية المتعددة إلى السطح.

كما يعمل البرنامج على تطوير البحوث بسرعة، لا سيما فيما يتعلق بمواد البناء وإمدادات الطاقة وإنتاج الغذاء. ونذكر هنا أن وكالة الفضاء الأوروبية منحت عقداً لشركة “ميتاليزيس Metalysis ” البريطانية لتطوير تقنيات لاستخراج الأوكسجين والمعادن من تربة القمر.

مهمة المريخ

دفعت إدارة ترامب للقيام بأول مهمة مأهولة إلى المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي، وهي مهمة بالغة الصعوبة بسبب المسافات التي ينطوي عليها الأمر. ستعرض الرحلة الطويلة رواد الفضاء لخطر التعرض للإشعاع الشديد والصعوبات النفسية. وقد تشمل تحديات ضخمة أخرى تتمثل بقيود الوزن وأوقات الاتصال.

وفي السياق، ذكر تقرير مستقل صادر عن معهد “سياسات العلوم والتكنولوجيا” في عام 2019 أن مهمة المريخ المأهولة غير مجدية حالياً. لذلك يعتقد الخبراء أنه من غير المحتمل أن يحاول بايدن إحياء هذا المشروع في أي وقتٍ قريب.

القوة الفضائية

اعتمد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أواخر عام 2019 رسمياً، تمويل هيئة عسكرية جديدة مختصة بالفضاء تحمل اسم “قوة الفضاء الأميركية”، وتضم حوالي 16 ألف فرد من القوات الجوية والموظفين المدنيين. وخصصت إدارته 40 مليون دولار لتمويل القوة في عامها الأول، على أن تتولى حماية الأصول الأميركية التي تشمل مئات الأقمار الصناعية المستخدمة في الاتصالات والمراقبة.

تلقت خطوة ترامب سيل من الانتقادات، إذ نظر إليها كثيرون بأنها تسلط  الضوء على نظرة الولايات المتحدة للفضاء بكونه منطقة حرب محتملة وليس مجالاً لمغامرة علمية بحتة. ورغم أن الكولونيل تود بنسون، مدير القوات الفضائية في القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية، قال خلال مراسم تبديل عناصر القوات الجوية للفروع العسكرية بأن “هذه المجموعة ستصنع التاريخ”. إلا أن هذه القوة تعرضت للسخرية من حين لآخر، ويوجد على موقع “نيتفليكس” مسلسل كوميدي يحمل نفس الاسم، وقد تم طرح النكات حول كل شيء حول هذه القوة بدءاً من اختيار أزياء تمويه ” لا تناسب الغابات بين المجرات” إلى استخدامهم لشارة تشبه شعار مسلسل “ستار تريك”.

لكن يبقى السؤال يتمحور حول ما إذا كانت إدارة بايدن ستعمل على إلغاء هذه القوة فور تسلمها زمام الأمور؟ بالنظر إلى الماضي، نجد أنه لم يتم حل أي فرعٍ من القوات المسلحة في الولايات المتحدة من قبل، وهناك بلا شك العديد من الصعوبات لإعادة دمج هذا الفرع مرة أخرى في سلاح الجو الأميركي. لذلك من المرجح أن تستمر القوة الفضائية، مع عدم إعارتها اهتماماً كبيراً.

تغييرات محتملة فيناسا

تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية بالتوقيع على أوامر تنفيذية من شأنها التراجع عن معظم أعمال إدارة ترامب، بنفس الطريقة التي ألغى بها ترامب معظم أعمال باراك أوباما. ولعل أكبر مؤشر على التغيير هو تنحي مدير وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، جيم بردنشتاين، من منصبه.

شكّل تعيين بردنشتاين عام 2018، مفاجأة للمجتمع العلمي، فهو لم يمتلك مؤهلات علمية كافية وكان قد لمح سابقاً عن شكوكه حيال تغير المناخ. ومع ذلك فقد أثبت بردنشتاين لاحقاً أنه قائد قاد “ناسا” بمهنية قل نظيرها.

وعند تنحيه، قال بردنشتاين إنه يريد السماح لشخص له “علاقة وثيقة بالرئيس” بتولي المسؤولية. وهنا نشير أن معظم مدراء “ناسا” حاصلون على درجة علمية في الهندسة أو الفيزياء على الأقل، وكانوا في الماضي يرأسون مركزاً للفضاء. وهذا يجعل من جودي سينجر (مديرة مركز مارشال لرحلات الفضاء)، أو مارك جيير (مدير مركز جونسون للفضاء)، أو دينيس أندروسيك (مدير مركز جودارد لرحلات الفضاء) مرشحين محتملين، إضافةً إلى نائب المدير الحالي جيمس مورهارد.

وعلى المقلب الآخر، أوضح بايدن أن معالجة حالة الطوارئ المناخية هي أولوية بالنسبة له. وفي حين أن هذا يعني بالضرورة احتمال التركيز على الحد من التلوث الصناعي والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، إلا أنه يشير في الوقت عينه إلى أن سياسة الفضاء يمكن أن تكون أكثر تركيزاً على بعثات مراقبة الأرض، مثل برنامج القمر الصناعي التشغيلي الثابت بالنسبة للأرض.

ومهما كانت التغييرات، يبدو أنه خلال ولاية بايدن سيكون هناك تمويلٌ أقل لبعثات الفضاء. ومع ذلك، يقول الخبراء أن العلماء في وكالة الفضاء سيتنفسون الصعداء لعدم اضطرارهم من اليوم وصاعداً إلى محاربة التغريدات المعادية للعلم التي نشرها ترامب خلال فترة وجوده في منصبه، حول مواضيع تتعلق بفيروس كوفيد-19، واللقاحات وتغير المناخ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى