جاليات

“المهاجران” مسرحية تحاكي اوجاع الاغتراب بتوقيع عربي فني بامتياز

شهد  مسرح Marcellin-Champagnat العرض الأول لمسرحية “المهاجران” من انتاج “فنون المهجر”، وهي الانتاج المسرحي الاول لفنانين محترفين مقيمين في المهجر من بطولة رامز الاسود وزياد التواتي ومن اخراج شادي مقرش، حضرها حشد كبير من ابناء الجاليات العربية المنتشرة في كندا.
تدور احداث المسرحية وهي من النوع الكوميدي الساخر، والمأخوذة عن نص للكاتب البولندي سلافومير ميروجيك سنة 1974، حول مهاجرين اجبرتهما ظروف بلديهما المفتقدتين لكل الوان الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية للهجرة تاركين وراءهما عائلة واحبّاء ليعيشا في غرفة صغيرة بلا نوافذ تحت الأرض، يتقاسمان فيها المكان، وحب الحياة، الحنين والأمل.
في المسرحية نعيش حالة الاغتراب بكل تداعياتها من خلال شخصيتين متباينتين من حيث الثقافة والعمل، السوري رامز الاسود المثقف واللاجىء السياسي الايديولوجي، والتونسي زياد التواتي ألامّي العامل كحفار الذي يسعى لتوفير المال ليعود لعائلته في اول فرصة ممكنة، تجمعهما غرفة واحدة اشبه بالقبو غابت عنها معالم الحياة الا “مواسير المجاري” التي تمثّل سقفها، كما بعض الكراسي الخشبيّة وأدوات المطبخ البسيطة كما ذاك المكتب الخشبي الذي يتوسّط خشبة المسرح، ما يعني توافر كل عناصر الفقر والتقشّف والافتقاد الى كل مقومات الحياة الطبيعية في بيئة اختيرت طوعًا بحثًا عن آفاق جديدة وحياة افضل.
هي مسرحية من فصل واحد يبدأها الرجلان بالحديث عن ليلة رأس السنة في هذا البلد الأوروبي مع تخيّل كيفية احتفال شعبه بهذه الليلة الجميلة وما تتضمنه من رقصٍ وسهر واحتساء للنبيذ فيما هما يعيشان التعاسة بكل مرارتها والوانها، وتبدأ الحبكة لحظة الدفع بالحوار اللامنطقي واللانساني الى اقصى حدوده، مرة بتهدئة التوتر المتبادل بين الشخصيتين واخرى بالتصعيد به الى اقصاه ما دفع بالفقير الى تمزيق نقوده التي حرص على جمعها في دمية، ما ساهم في تبخر حلم العودة الى الديار ورؤية الزوجة والأطفال.
الفنان زياد التواتي الذي كان يمثّل طبقة الفقراء قدّم أداءً استثنائيًا خلال العرض، من خلال محاولته فهم طلاسم وادّعاءات رفيقه في الغربة الذي يعتبر نفسه أحد فقهاء المجتمع المخملي كما ابدع الفنان رامز الاسود في شخصية اللاجئ السياسي الذي نجح في زرع فكرة اللاعودة برأس زميله في البؤس والاغتراب متسببًا له بأزمة نفسية أفضت الى محاولته شنق نفسه بربطة عنقه.
“المهاجران” رسالة صادقة عن اوجاع المهاجرين وهواجسهم الكثيرة عرف المخرج شادي مقرش بحكمته وادارته الناجحة للعمل ان يقدم لنا نموذجا حقيقيا عنها محاولا وبكل موضوعية التأكيد على أنّ الهجرة ليست الحل الأمثل، بل يجب البحث عن حلول أخرى بعيدا عن الاستسلام الكلي لوجع الغربة والانشقاق العائلي جرّائها.
“المهاجران” بصمة جديدة تضاف الى الاغتراب العربي في بلاد الصقيع حيث الحنين الى الربوع هو الدفئ المصقول بأمل العودة.
الكلمة نيوز” كانت هناك والتقت احد اعمدة فنون المهجر رامز الاسود الذي تحدث عن سبب اختيار “المهاجران” كأول عمل مسرحي يطلّان من خلاله على الجمهور قائلا: “تتناول المسرحية موضوع الغربة بكل تداعياتها، والمهاجران خيار مناسب جداً كون النص ذكي بامتياز ويتناسب مع فكرة الاغتراب بكل معانيه ضمن قصة وقالب لطيفين وهو ما يؤدي الى التفاعل المرتقب مع الجمهور، فهذا النوع من النصوص البسيطة، السلسة يمكنها ان تؤدي وظيفتها الانسانية بكل موضوعية لناحية الفهم العالي للحنين، علاقة الانسان بالاشياء، بالوطن، بمفهوم العودة الى الديار كما لمفهوم الاغتراب وكل ما يمت اليه بصلة”.
وعمن هم زياد ورامز وشادي مؤسسو “فنون المهجر” اجاب: “نحن شباب نمتهن التمثيل باحتراف مصقول بشهادات جامعية وخبرة واسعة في ميدان التمثيل التلفزيوني على مستوى الوطن العربي، اردنا وبما نختزن من فنون ومعارف وخبرات ان نؤسس ما يشبه تطلعاتنا ويلبي طموحنا الفني في بلاد الاغتراب، فكانت فرقة “فنون المهجر” التي ابصرت النور في العام 2020 في ظل الغياب التام للاحتراف المسرحي في كندا، او بمعنى آخر الاكاديمي، بهدف تفعيل الفن المسرحي الترفيهي الهادف، والذي افتتحنا معه ومن خلاله مسرحية “المهاجران”.
وأضاف: “نحن اليوم امام مغامرة جريئة، فغياب البيئة الصلبة للثقافة الحقيقية من ضمن المجتمع العربي يرتّب علينا اعباء كثيرة لناحية خلق موضوع جديد نحاول ان نجعله مستداما، نحاول ان نؤسس لاعمال هامة قد تتطور من انتاج مسرحي الى مهرجانات ومن ثم انتاجات صورية مرتبطة بالافلام، كما اننا بصدد التحضير لجولة فنية لعرض المهاجران في فصل الربيع المقبل”.
وعن مشاريع “فنون المهجر” المستقبلية اجاب الاسود “انها كثيرة، ونتوخى ان تكون المادة التي نقدمها مناسبة على مختلف الاصعدة للمغترب وحياة الاغتراب، هدفنا الفن المرتبط بالانسان بشكل مباشر وما اتمناه حقيقة هو ان يكون لنا بصمة في صناعة البرامج الفنية الهادفة توفر للجيل الصاعد من ابنائنا بيئة حاضنة لموروثاتنا الثقافية الفنية البنّاءة.
وختم قائلا: “نحن اليوم امام الخطوة الاولى والتي استطعنا من خلالها ان نؤسس لفريق محترف لا تقتصر اعماله على التمثيل والاخراج انما بات لدينا فريق من ضمن مهامه التصاميم والعلاقات العامة و…. والذي بات بامكاننا ان نعمل معا لتقديم افضل العروض واجملها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى