جاليات

رؤية “الجمهورية الخامسة وحل المعضلة اللبنانية” للاب روحانا عنوان الندوة الفكرية ل”تجمع آراء وتحديات”

اقام “تجمع آراء وتحديات” وتحت عنوان ” لبنان : من اين أتى والى أين هو ذاهب” ندوة فكرية حول الازمة اللبنانية في قاعة نهاد حديد في مونتريال شارك فيها الاب ميخائيل روحانا الانطوني ،الباحث الاكاديمي ورئيس المجلس الوطني اللبناني-الكندي د. نزيه خياط،المحامي حسن غية وادارها د. سامي عون في حضور حشد من ابناء الجالية اللبنانبة و العربية.
افتتح الندوة وليد حديد بكلمة ترحيبية مشيرا الى اهمية مثل هذه اللقاءات التي تلقي الضوء على مشاكلنا وقضايانا الفكرية والسياسية والاجتماعية ومناقشتها دون خوف او تردد وذلك ضمن الاحترام المتبادل والانفتاح الفكري الذي يهدف الى ان نفهم اكثر من نحن واين نحن وكيفية الانخراط في مجتمعنا الجديد في كندا متوقفا  عند اسباب الواقع اللبناني المؤلم المتمثل ب “الطائفية السياسية”،معتبرا ان نظام لبنان الحالي، بالرغم من غلافه القانوني والدستوري يحمل في طياته مرضي الاقطاعية المتوارثة، والطائفية التي تطورت بفعل عدة عوامل الى طائفية سياسية” لافتا الى ان الاديان المتسامحة والاخلاق والقيم اللبنانية اصبحت ضحية هذه الطائفية السياسية. 

وختم حديد قائلا” حوارنا اليوم  مدني بامتياز ولا نية لنا بتوجيه النقد الى اي جهة او حزب في لبنان  فالماضي هو العبرة وانما المستقبل هو الهدف. متمنيا الالتزام باخلاقيات ومدنية الحوار”.

تحدث في الندوة الاب ميخائيل روحانا الانطوني صاحب كتاب “الجمهورية الخامسة : الحل للمعضلة اللبنانية “وادار الندوة الاكاديمي د. سامي عون وشارك كل من : الباحث الاكاديمي ورئيس المجلس الوطني اللبناني-الكندي د. نزيه خياط والمحامي الكندي من اصل لبناني ، المتخصص بالدستور والمرشح الفدرالي السابق الاستاذ حسن غية . وتخللها نقاشات هامة واسئلة طرحها الحاضرون على الاب روحانا.

ثم كانت كلمة للدكتور سامي عون قدم فيها للكاتب الاب ميخائيل روحانا ومما قاله:” هو متعمق ومتبحر جدا في العلاقة بين العلم والدين وله نظريات متقدمة جدا في هذا الموضوع قدمها في طروحات اكاديمية كما ويتميز بانخراطه الواسع في الشان العام والمسألة اللبنانية الى انفتاحه الرهباني على الحوار واللاعنف”.

 الاب روحانا الانطوني

ثم كانت كلمة الاب روحانا تطرق خلالها الى حلول تخلص لبنان من كبوته كان قد وضعها في كتابه “الجمهورية الخامسة : الحل للمعضلة اللبنانية “ومما قاله:”” لاول مرة التقي بوجوه من جميع الفئات والالوان اللبنانية ..انا من اعتاد بشكل عام ان يلتقي بمجموعات من الكنيسة التي تخصني،وأضاف ” هناك هدف جعلني اكتب وله مسوغات جمعتها على مدى عمري انا ابن الثانية والسبعين عاما و هي:

1 – احترام مقتضيات التاريخ وازمنته وترقيته. فعلى اللبناني ان يدرك ان الزمن له دورات ومتى دارت الدورات لا يمكن ان نعود الى الخلف

2- اعتماد ان الاعراف هي في خدمة الانسان وليس العكس ما يساهم في تحويل عملية المفاهيم . اذن في كل دولة وكل نظام توضع اعراف يتمسك بها المجتمع من خلال عقد اجتماعي ثم تجمد هذه الاعراف فتجمد التاريخ ومن يجمّد التاريخ يقتله التاريخ . فالتاريخ كائن حي لا بمكن لاحد ان يحده فيسقط في غياهب التاريخ .

3- الترقي برمزية وطن الرسالة اي لبنان من العيش المشترك الى “التكاؤن”.

4- الغاء الطائفية السياسية المؤسسة على العيش المشترك على مرحلتين . اولا الترشيد ثم الالغاء بفارق ثلاثين سنة . ومن يسال من يعش هذه المدة نقول لقد انتظرنا الطائف اكثر من ثلاثين ولم يات بنتيجة . فاذا انتظرنا ثلاثين سنة حتى نثقف مجتمعنا ابتداء من مستوى الحضانة في المدارس فهذه المدة ليست طويلة.

5- المواطنة السليمة التي تسمح لكل ام ان تدلل ولدها بالقول ” ان شاء اراك او اراكِ رئيسا للجمهورية او للحكومة او لمجلس النواب او مجلس شيوخ او في قيادة الجيش وغير ذلك .

6- الفصل التام بين السلطات واستقلالية القضاء التامة والمشاركة العادلة والمتوازنة في الحكم .  بحيث يكون لكل رئاسة من الرئاسات الستة صلاحيات . وحتى تتضح الفكرة اقول انه في الطائف الغيت صلاحيات رئيس الجمهورية وتُركت له صلاحيات ثانوية بحيث بات دستور الطائف دستور تعطيل وليس دستور بناء .

7- نظام اقتصادي يتناسب مع مقولة جبران خليل جبران ” ويل لامة تاكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر وتلبس مما لا تحيك “.

واكد الاب روحانا ان  الجمهورية الخامسة وحل المعضلة اللبنانية بالنسبة له هي الحل ،ومن الصعب البحث عن حل اخر وان كانت فكرة التعديل في بعض النقاط واردة .

مراحل الكتاب الثلاثة عام 1987 و 2006 والجمهورية الخامسة

وفي كتابه يرى الاب روحانا ان ” حركة التاريخ هي حركة لولبية تصعد لا تنزل حول محور تصاعدي من الالف الى الياء ، ولا عودة الى الخلف لافتا الى ضرورة احترام مقتضيات التاريخ وديمومة حركته وحتمية تحويل المفاهيم وتعديل الدساتير وتحديدا اللينة منها التي تعدل مع تطور التاريخ وتطور المجتمع،او حتى تغيير نظام الحكم كليا . داعيا الى اعتماد مبدا “الاعراف في خدمة الانسان” و” ليس العكس وهذه نظرية تستند الى مقولة السيد المسيح في انجيل الكنيسة المسيحية الذي وقف في وجه اشرس تيار في العالم اليهودي” ، مشيرا الى العقدة الكبيرة التي ” اثارها نائب رئيس المجلس النيابي الاستاذ الياس ابو صعب عندما سأل الرئيس بري لماذا يجب ان يكون رئيس الجمهورية مارونيا فاجابه “عُرْف عُرْف” ما يعني ان العُرْف اقوى من القوانين وهذا امر مرفوض كليا . فلا يجب ان يكون هناك اعراف تجمّد التاريخ” .

روحانا اعتبر ان ” لبنان كان يتمتع بنوع من النظام الهجين بين نظام برلماني وآخر رئاسي . هذا النظام خلق عقدة اجتماعية شعر من خلاله المسلمون انهم غير متساوين مع الموارنة وان الرئيس لديه صلاحيات تفوق الآخرين فطالبوا بالمشاركة في الرئاسة في الطائف . وبدل ان يشاركوا في الرئاسة بأن يكون الرئيس من اي طائفة كانت، قاموا بنزع صلاحيات الرئيس. مما افضى الى مجلس رئاسي يحكم البلد  كمجلس ادارة للبلد يتصرف بالبلد كيف يشاء وهذا ما اوصلنا الى ما نحن فيه اليوم” .

واعتبر ان “الرئيس لا يجب ان يكون هو المحور لان النظام هو برلماني متعدد المجالس وليس رئاسيا. وللرئيس ان يكون له صلاحيات حل المعضلة او حل النزاعات عندما تقع المشكلة بين المجالس او يكون هناك احتكار للسلطة” . واكد انه يريد هنا ” صلاحيات لرئاسة الجمهورية وليس للموارنة ايا كان الرئيس والا لن يكون هناك سيادة في لبنان ما دام الرئيس لا يحل ولا يربط في لبنان بل من يحل ويربط هو خارج لبنان. وهذه النقطة مطالب بها اخوتنا السعوديين الذين يتمسكون بالطائف لاسباب معينة” .

واشار الى ان “الطائفية اصبحت هي محور الحكم في لبنان وليس الرئيس هو المهم بل طائفته واذا تناولنا الرئيس نكون تناولنا الطائفة . وبات تحميل المشكلة الى الدين، ما جعل رجال الدين يتوقون الى استرجاع الدين بعدما  خرج من ايديهم واصبح في ايدي السياسيين” .

وشدد على انه ” يجب ان نفصل السياسة عن الدين وليس الدين عن السياسة . من هنا على النظام ان يتحول من عيش مشترك وتقاسم الجبنة الى التكاؤن” واوضح ان التكاؤن ” هو ان ينظر اللبنانيون الى مستقبل الوطن بهدف واحد وان يزرعوا وطنهم كي يسقيهم ويطعمهم واذا تعب احدهم ينادي الاخر ليساعده لاكمال مسيرته”.

واذ راى ان “لبنان يفتقد لرؤية وانا قلتها واسمح بقولها لصاحب الغبطة والمطارنة من ملتي من كنيستي اية رؤية لكم للبنان بعد عشرين او ثلاثين سنة؟ ، قال ” لا احد يملك رؤية للبنان “.واعتبر ان هذا اول نص يضع رؤية . ننطلق من العيش المشترك الى التكاؤن ومعناه ان نكون سوية او لا يكون لبنان مسلمين ومسيحيين من جميع الملل. وهذا تعبير جديد اجترحناه باللغة العربية لكي نقول ان فعل كان الماضي الناقص نحوله بان ادرك ذاتي باني لبناني وادرك من بجنبي وادرك انهم لبنانيون مثلي مثلهم ولهم ولي نفس الحقوق والواجبات”  .

كما تطرق الى مقولة ” لا تفكروا نحن نفكر عنكم ” معتبرا انه ارث من العثمانيين وغيرهم من المحتلين” ، متوجها الى الحاضرين بالقول ” اتوجه الى الحاضرين ان نفكر سويا حتى نضع ونوضح رؤية لبنان ولا يأتينا احد ليقول لنا ” لا تفكروا نحن نفكر عنكم ” . واعتبر ان من المهم ” ان نقاوم هذا العقل المخدر بتقاليد اقطاعية اهم تعريف عنها هو هذه المقولة”.

وايد ما طرحه الاستاذ وليد حديد بان نخرج من هنا بخلاصة نبني عليها لاحقا. واكد الاب روحانا ” انا لست هنا لكي ابيع كتابا بل لاطرح مشروعا بيد يدي مجموعة لبنانية هنا لان لبناننا انتهى وعلينا ان نبني لبنان جديد معا “، مؤكدا ان “الانتشار هو خشبة الخلاص للبنان”.

ما هي الآلية للتوصل الى هذا الهدف؟

واذ لفت الاب روحانا الى انه ” الان في لبنان لدينا اربع مراكز قوى رئيسية : رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وقائد الجيش واتفاق الطائف اضاف مجلس الشيوخ والمجلس الاقتصادي الاجتماعي” اعتبر ان “مجلس النواب و مجلس الشيوخ والمجلس الاقتصادي الاجتماعي يشكلون مجلس الشعب الذي له حق اسقاط رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب” . ولفت الى ان مجلس الشيوخ لم يتم اقراره لانهم اختلفوا من يكون رئيسه من الروم الارثوذكس او من الدروز.

واشار الى انه وضع قائد الجيش ضمن القوى الرئيسية لانه صورة عن الوطن وايد ان يكون لكل عسكري في الجيش امكانية ان يكون قائدا للجيش، متسائلا “الا يتحسن انتماء العسكري الى الجيش اللبناني اذا عرف كل عسكري ان بامكانه ان يكون قائدا للجيش ؟”.  وقال “هذا السؤال طرحته على قائد الجيش فاجابني نعم” .

وعمن يسال من اين نبدا من النصوص او النفوس قال “اولا علينا ان نضع الدستور وعليه نبني كل شيء . فلا يوجد بناء مهترىء اساسه مختل يمكننا ان نزينها . علينا ان نضع دستورا يحمي المواطنة ويحمي العدالة في المشاركة في الحكم وصلاحيات رئيس الجمهورية” .

الخياط

ثم كانت مداخلة للباحث الاكاديمي ورئيس المجلس الوطني اللبناني-الكندي د.نزيه الخياط تحت عنوان ” لبنان من اين أتى والى اين ذاهب ؟” ناقش فيها كتاب الجمهورية الخامسة للاب ميخائيل روحانا الانطوني .

وقال خياط” هل نبكي نهاية الكيان اللبناني في مئويته الاولى فيصح فينا قول والدة آخر ملوك الاندلس الذي سلم غرناطة الى الملك الاسباني فرناندو باكياً: “نعم، ابكِ كالنساء مُلكاً لم تدافع عنه كالرجال “.

واضاف ” بلغ الانحطاط السياسي في لبنان مداه خلال السنوات العشر الاخيرة حين تماهى الخطاب السياسي الذي تميز بسمة الثرثرات السياسية والهلوسات السفسطائية التافهة والانتحارية، معطوفاً على نفاق سياسي قل نظيره في عالم السياسة اذ سعى عبرها ولا يزال، رؤساء القبائل الطائفية والمذهبية الى تقديم عصارة ابداعاتهم البائسة، عبر مشاريع حلول تبريرية منسلخة عن الواقع تفتح من خلالها أبواب صراع داخلي لا ينتهي، تعليلًا للتقاسم والتفكك والتناتش على الجغرافيا المتشظية والسلطة المتحللة واستثمار غلبة موازين القوى الفئوية على حساب قوة التوازن الوطني، وجميعهم يتسلحون بحلول انتحارية على قياسهم السياسي القزمي، في سعي منهم الى انتاج لبنانهم الخاص، هذا المخلوق الموعود المشوه جينياً، المتقوقع مكانياً وغير القابل للحياة”.

واذا اعتبر خياط ان ” اتفاق الطائف ضرورة كيانية” اعتبر ان هناك ” أسئلة كثيرة مشروعة تطرح في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ لبنان الكيان والدولة، حول ابعاد الحملة المتجددة والخبيثة على اتفاق الطائف المعروف بوثيقة الوفاق الوطني وعلى خلفية المطالبة بتغيير النظام، والتي ما انفكت تتكرر تباعاً، منذ اعلان التوصل الى هذا الاتفاق في الطائف برعاية دولية وعربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، وتوقيعه، كي يصبح لاحقاً دستور الدولة اللبنانية،كما التساؤلات حول العودة مؤخراً لطروحات وشعارات الحرب الاهلية من الفيديرالية الى التقسيم مع مستجد إشكالية سلاح حزب الله الذي حل مكان السلاح الفلسطيني والسطوة الامنية السورية ما اعاد انتاج الانقسام الوطني مجدداً، أفقياً وعمودياً، والاجواء التي اعقبت اتفاق القاهرة عام 1969″.

وشدد على ان ” الرفض والتصدي لمحاولات الانقلاب على الطائف في ظل الاختلال الحاصل في موازين القوى الداخلية وسطوة السلاح غير الشرعي على الحياة الوطنية، انما هو فعل الإيمان الحقيقي للدفاع عن مستقبل الكيان والدولة الواحدة بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة، كما من الموجب القيام بأوسع عملية تعبوية سياسية شعبية تضع حداً لكل الطروحات التي أدت سابقاً الى الحرب الاهلية، والتي يعاد تداولها يأساً اليوم في كثير من الاروقة السياسية المغلقة غير المعلن عنها بمعظمها والقليل المعلن منها”.

ان تغليب لغة العقل والوقفة مع الذات الوطنية الجامعة من اجل مصلحة جميع مكونات المجتمع اللبناني انما هو الفعل الايماني الوحيد للإنقاذ الوطني.

ففي كل لحظة وطنية مصيرية يعاد طرح السؤال لماذا اتفاق الطائف، وعليه فإن الاجابة تتحدد عبر الوقائع التالية:

– ان التلاعب بمصير اتفاق الطائف سيعيد اللبنانيين الى المربع الاول الذي سبق اعلان دولة لبنان الكبير، وضم الاقضية الاربعة مع مدن الساحل وعكار وهي المفككة اليوم عن المركز بعد انهاك سلطة الدولة المركزية، كما ستشجع للعودة الى رفع شعار المطالبة بالحكم بناء على ما عرف بالديمقراطية العددية استناداً الى العامل الديموغرافي ما يجعل مصير المناصفة المقرة دستوريا في جميع المواقع والمناصب القيادية في الدولة اللبنانية مطروحا على بساط البحث الجدي، لان العبث بالتسوية الكيانية والميثاقية والتي تجددت باتفاق الطائف لاحقاً سيواجه بإمكانية الطعن بقرار الضم داخليًا وإقليمياً الذي لطالما اعتبر ان اعلان دولة لبنان الكبير وسلخ اجزاء من سوريا كان خطأ تاريخياً ويجب تصحيحه في لحظة اقليمية ودولية ملائمة قد تتبلور معالمها اليوم .

– إن الغاء اتفاق الطائف ممارسة واعتبار الدستور وجهة نظر سيعيدنا الى لحظة الانقسام الوطني الحاد الذي ساد قبيل الدعوة لانعقاد مؤتمر الطائف الذي كان محصلة لتراكم ازمات وطنية كبرى تعود الى ما قبل الحرب الاهلية وصولا الى كارثة حربي التحرير والإلغاء العبثية، وهذا الاتفاق لو طبقت جميع مندرجاته لكان قد مهد المسار لإعادة بناء الدولة الوطنية بمؤسساتها العامة وقواها الامنية المتعددة، الا ان تعطيل تنفيذه تم على يد قوى امر واقع داخلية لها امتداداتها الخارجية والتي تريد الابقاء على لبنان ساحة مفتوحة لتصفية حساباتها مع الدول الوطنية العربية وفق مشروع ايراني معلن متعدد الحدود معطوفاً على مصلحتهم في استمرار الفراغ الدستوري الكامل في كل من رئاستي الجمهورية والحكومة، وصولاً الى التفكيك النهائي للدولة وتحلل الكيان خاصة، وان المشاريع البديلة عن الطائف التي يطرحها ادعياء بناء الدولة المدنية زوراً، بوعي ام بجهالة جاهل اعمى البصيرة والرؤية، يصب في مصلحة المشروع الاقليمي المدمر للكيان.

– ان من يعتقدون بان المشاريع المطروحة كمشروع الفيديرالية او مشروع التقسيم على أساس طائفي أو مذهبي هي أنظمة بديلة لنظام الطائف هم ساذجون وواهمون حتماً.

كما ان الاصرار على التمسك بالسلاح غير الشرعي ساهم بتأسيس غيتو مذهبي منعزل مكانياً بأمنه وسلاحه واقتصاده الموازي، وتدفقاته المالية الاتية من الخارج ومن عمليات التهريب وبثقافته وخدماته الاجتماعية والصحية والتربوية الخاصة به عقائدياً ضمن حيّزه الجغرافي وبيئته الاجتماعية، كل هذا أرخى بثقله على عمل مؤسسات الدولة فعطلها، وهذا ما جعل منه أن يكون الوجه الاخر للمشاريع التقسيمية الانفة الذكر، اذ كلاهما ينظّرون ويدعون لبناء الدولة في حين ان النتائج المترتبة عن المشاريع الثلاثة المطروحة او السائدة هو الاجهاز الكامل على الكيان وعلى ما تبقى من الدولة الواحدة شكلاً.

– إن الدعوة الى اي حوار حول مستقبل اتفاق الطائف الغاء او تعديلاً قبل تطبيق جميع مندرجاته، في ظل سطوة السلاح على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية انما هو قفز في المجهول ونحر للبنان الوطن النهائي لجميع ابناءه.

واذ طرح سؤالا عن السبب في تطبيق دستور الطائف كاملاً هو الحل الانقاذي الوحيد المتوازن للنهوض بالدولة؟ طرح خياط في اجابته عدة نقاط . حيث اعتبر ان ” اتفاق الطائف حافظ على خصوصية التركيبة اللبنانية المتعددة طائفيا ومذهبيا، فأقر استحداث مجلسا للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية والتي تنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية مقابل اعتماد قانون انتخابات خارج القيد الطائفي”. كما انه ”  حصر اتفاق الطائف وجود السلاح بيد الجيش والقوى الامنية الشرعية بعدما تم حل الميليشيات” اضافة الى ذلك ” أخذ هذا الاتفاق بهواجس المغالين من المنادين بشرعنة واقع وافرازات الحرب الاهلية بدءا بالتقسيم او بالفيديرالية او حديثاً بالمثالثة فأقر بضرورة تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة، مع الاشارة الى ان التذاكي بالدعوة الى اللامركزية المالية، عوضا عن النضال والضغط من اجل تفعيل وتحديث الجباية دون تمييز كما اجهزة الرقابة الرسمية، انما ينسف اسس الدولة الواحدة الموحدة خاصة انه في النظام الفيديرالي يكون الامن والمال والسياسة الخارجية خاضعة للسلطة المركزية حصراً”.

ولفت الى انه ” حسم اتفاق الطائف في مبدأه الدستوري الاول بأن لبنان، وطن حر مستقل ونهائي لجميع ابنائه”.

واعتبر خياط انه ” توجب الواقعية السياسية والعملية في هذه المرحلة التي تحتدم فيها لعبة الامم في اوروبا وآسيا والشرق الأوسط وما سينجم عنها من تحولات جيوسياسية واستراتيجية كبرى، الدعوة الى تطبيق الدستور النافذ بجميع مندرجاته، اذ به يكون المدخل العملي الحقيقي للإصلاح السياسي والاداري وتحقيق اللامركزية الادارية الموسعة، عوضاً عن الغوص في متاهات مشاريع عبثية وثرثرات وهلوسات سفسطائية تافهة تطلق الرصاصة العديمة الرحمة على الكيان والدولة”.

ولفت الى انه ” ما كان اتفاق الطائف بالتأكيد اتفاق الضرورة كما حاول ويحاول البعض تصويره اليوم بعد ان سعت الوصاية السورية الى اعتماد الانتقائية في تنفيذه وتسخيف مواده الدستورية، بل هو اتفاق الحلول الجدية والعملية لازمات وطنية عميقة، تراكمت منذ خمسينيات ت القرن الماضي مروراً بمرحلة الحرب الاهلية واستطراداً حتى حاضرنا، فكان لبنان حينها في لحظة احتدام صراع دولي شبيها لما يتعرض له اليوم، ممرا وحيدا للفيلة في المنطقة وساحة ناضجة لتداخل وتشابك الصراعات المتعددة الابعاد على ارضه، وهذا ما يراد اليوم استثماره داخلياً حاضراً”.

غية

في مداخلته تحدث غية عن اهمية الكتاب ومما قاله  ” لقد قرأت كتاب الدكتور روحانا ” الجمهورية الخامسة: الحل للمعضلة اللبنانية” باهتمام كبير و متعة كبيرة لاهمية الموضوع و بسبب خطورة الوضع الذي يمر فيه لبنان” . واضاف ” الذي استوقفني قبل كل شيئ في الكتاب هو جرأة الكاتب و المفكر الذي يحاول أن يقترح حلولا عابرة للطوائف واضعا نصب عينيه مصلحة لبنان و مستقبل اللبنانيين قبل كل شيئ و بعد كل شيئ”.

وأضاف” أريد أن ألفت انتباهكم إلى انني لا اعتقد ان نظام الحكم الحالي في لبنان نظام ديموقراطي رغم كل ما نسمعه عن هذا النظام.  من وجهة نظري المتواضعة ، النظام الذي يشبهه النظام اللبناني أكثر من أي شيئ آخر هو نظام دار الندوة في مكة قبل الإسلام حيث كان يجتمع ممثلو القبائل للتداول و اتخاذ القرارات التي بموجبها تدار أمور مكة.  في هذا النظام لم يكن بإمكان قريشٍ و هي أكبر القبائل القضاء على أصغر قبيلة في مكة.  و لم يكن بإمكان كل القبائل الأخرى و لو اجتمعت القضاء على قريش و لو كانت منفردة.  و هذا ما يحصل منذ قرون في لبنان، لا يستطيع أحد إلغاء أحد.  لذا لا بد من أن يعمل الجميع معا حفاظا على وجودهم و حفاظا على وجود لبنان.”

بعدها توقف غية عند بعض الملاحظات المهمة في موضوع فقال ” الدكتور روحانا يقترح إلغاء الطائفية، أو على الأقل حصرها في نطاق ضيق. لقد طرح في الكتاب، و شرح في محاضرته هذا المساء هو إلغاء التخصيص الطائفي المعمول به حاليا في لبنان في أن يكون رئيس الجمهورية مارونيا، و أن يكون رئيس مجلس النواب شيعيا و رئيس مجلس الوزراء سنيا و قائد الجيش مارونيا، إلخ.  لقد اقترح الدكتور روحانا أن تكون المراكز الست الأساسية موزعة بين الطوائف الست الرئيسية دون تخصيص أي مركز لأي طائفة بعينها و لكن الشرط الوحيد هو ألا يملأ في آن واحد أبناء طائفة معينة أكثر من مركز واحد من بين هذه المراكز الست.

السؤال الأول الذي يفرض نفسه هو اذا حصرنا المراكز الست الرئيسية في الطوائف الست الرئيسية كيف بإمكاننا أن نقول أننا ألغينا الطائفية و أين هي حقوق المواطنين الذين ينتمون إلى طوائف أخرى خارج هذه الطوائف الست؟. ألا يحق لهم التمتع بالمواطنية الكاملة اسوة بإخوتهم ابناء الطوائف الأخرى ؟”

واضاف غية ” السؤال الآخر و المهم أيضا هو كيفية تحويل هذا الطرح الجريئ من حيز الفكر إلى حيز التطبيق و كلنا يعرف أن الذين في أيديهم الحل و الربط في لبنان والذين بإمكانهم تحويل هذا الطرح إلى برنامج عمل و من ثم تطبيقه هم المستفيدون من الوضع الحالي، فما هي إمكانية إقناعهم بالتضحية  بمصالحهم الخاصة في سبيل المصلحة الوطنية العامة فكما يقول المثل العامي “حاميها حراميها”.

واعتبر غية ان ” الأمل في أن ينجح التحرك الشعبي في تحريك المياه الراكدة و فرض التغيير، اسمحوا لي أن أكون صريحا معكم رغم قسوة هذه الصراحة، هذا الأمل تحطم على صخرة الإنتخابات النيابية الأخيرة التي أوصلت إلى البرلمان، بعد التحرك الشعبي العارم و الشامل،  نفس القوى  التي كانت في البرلمان قبل الإنتفاضة”.

وقال غية ” لا أريد أن أكون متشائما و لكن تاريخ لبنان و المنطقة لا يدعو إلى التفاؤل.  الميثاق الوطني الذي على أساسه بني استقلال لبنان في أربعينات القرن الماضي أقر الطائفية كحل مؤقت و تحدث عن ضرورة إلغائها.  إتفاق الطائف عام 1989 بين ملوك الطوائف في لبنان بدعم و مباركة الدول العربية و العالمية المؤثرة في لبنان، أقر الطائفية أيضا كحل مؤقت و ها نحن الآن و بعد مرور كل هذه السنوات نعاني من هذا المرض العضال”.

ولفت الى ان “التطورات الأخيرة في المنطقة العربية اثبتت لنا أن هذا المرض الخبيث بدل أن يكون مؤقتا و محصورا في لبنان تحول إلى داء دائم و معد أيضا. والطائفية لم تعد مرضا في لبنان فقط، لقد انتقلت، كما أننا نرى للأسف كل يوم، إلى سوريا و العراق و اليمن و غيرها من البلدان العربية”.

واتفق الاستاذ غية مع الكاتب في ” أن الاصلاح يجب أن يمر من بوابة إلغاء الطائفية. فالطائفية هي أم الخبائث، إذا لم نقض عليها، ستقضي هي علينا و على مجتمعاتنا ولكن السؤال كيف و من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة شبه المستحيلة.  هنا يأتي دورنا نحن لبنانيي الإنتشار.  فأنا رغم التشاؤوم الذي تحدثت عنه قبل قليل لا يزال عندي بعض الأمل و “ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ”.

غية في مداخلته راى انه ” نحن اللبنانيون في الإنتشار عندنا فرصة كبيرة و يقع على كواهلنا حمل ثقيل. لقد تغربنا عن الوطن و الأهل و الأحباب و عشنا لسنوات طويلة في هذه البلاد مع أقوام اتوا من جميع انحاء الدنيا. لقد بنينا جسورا و أسسنا حياة مشتركة مع أناس من أصول و ديانات متعددة و في كثير من الأحيان توطدت أواصر العلاقات بشراكة العمل و حتى بالمصاهرة.  لماذا لا ننقل هذه التجربة إلى أهلنا في لبنان؟

وتحدث غية عن تجربته في “طاولة الحوار والتنسيق متعددة الأديان في كيبيك” التي هو عضو فيها فقال ” أنا عضو مؤسس وعضو في لجنة التنسيق في هذه الطاولة التي تضم ممثلين عن الطوائف اليهودية و الاسلامية و المسيحية بما فيها مجلس المطارنة الكاثوليك الذي يمثل 80% من سكان كيبيك . وقد عملت طاولة التنسيق مع حكومة كيبيك و المسؤولين في قطاع الصحة للحفاظ على دور العبادة مفتوحة و آمنة خلال فترة الجائحة. لقد كان هذا التعاون و التنسيق مفيدا للجميع.  لماذا لا ننقل هذه التجربة للمجتمع اللبناني ؟ لماذا لا نعمل على أن يحل التنسيق و التكامل محل المنافسة و محاولة الإلغاء ؟.  لماذا بامكان احدنا ان يعمل مع المسلم و المسيحي و اليهودي و البوذي و السيخي من جميع اقطار الدنيا و لا يستطيع العمل مع أخيه اللبناني الذي ينتمي الى طائفة غير طائفته ؟”.

وختم بالقول ” دعوني أحلم معكم و مع الدكتور و المفكر الأب روحانا باليوم الذي يصبح فيه لبناننا الحبيب بلدا مثل كندا  التي احتضنتنا منذ سنوات عديدة و نحن الآن نعيش في أحضانها في مجتمع يحترم التعددية و يعطي كل ذي حق حقه كائنا ما كان إنتماؤه الديني أو أصوله العرقية.”

بعده فتح المجال للنقاش ،وقّع الاب روحانا كتابه.

نقلا عن صدى المشرق -بتصرّف-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى