أخبار لبنان

انفجار بيروت والحقائق المغيّبة (ج2)

 

تحقيق من إعداد موقع “المنبّه”

في سياق كلمته اليوم إلى اللبنانيين حول تطوّرات الأوضاع المحيطة بتشكيل الحكومة الجديدة، أعلن الرئيس ميشال عون أن التحقيقات الجارية بالانفجار الذي طال بيروت ومرفأها في الرابع من شهر أب الماضي، قد يطول.

وفي شأن مسار التحقيقات التي يجريها المحقّق العدلي القاضي فادي صوان، أفادت المصادر أن قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل بو سمرا سيبدأ غدًا الثلاثاء تحقيقاته الإستنطاقية في الحريق الذي اندلع في أحد مستودعات المنطقة الحرّة في مرفأ بيروت في 10 أيلول الجاري، وأدّى إلى احتراق محتويات المستودع بالكامل من إطارات مطاطية وزيوت وبضائع، إضافة إلى مساعدات غذائية تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر.

وكانت الشرطة العسكرية بإشارة من النيابة العامة العسكرية، قد أنهت التحقيقات الأولية مع 21 شخصًا على علاقة بأعمال الصيانة التي كانت تجري في المستودع المشار اليه والمجاور للمكان الذي وقع فيه انفجار الرابع من آب.
يشار إلى أن التحقيقات الأولية لم تؤكد، لغاية تاريخه، وجود ترابط بين الحريق والإنفجار، لذلك تمّت إحالة الملف على النيابة العامة بدلًا من المحقّق العدلي القاضي فادي صوان، علمًا أنه في حال توافر معطيات لدى قاضي التحقيق تُثبت وجود ترابط بينهما، عندها يُحال الملف مجددًا الى القاضي صوان تبعًا للصلاحية، ويُضم إلى الملف الأساسي.

وفي ملفّ التحقيق الصحافي الذي يعدّه موقع المنبّه، نتابع الجزء الثاني منه في هذا التقرير.

“الجمهورية”: خلاصات ثلاث

نقلت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية عن “مصادر مطّلعة” أن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت توصلت إلى 3 خلاصات.

وتابعت الصحيفة أن هذه التحقيقات التي “تولاها في البداية فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)”، خلصت إلى ما يلي:

لا اعتداءً إسرائيليّا بحرًا ولا جوًا.

لا شحنة سلاح لحزب الله في المرفأ.

الانفجار نتيجة توليد حرارة عالية من شرارة تطايرت إثر عملية التلحيم، وأدّت إلى الانفجار الذي تصاعد تدريجيًا بسبب وجود مواد شديدة الاشتعال داخل العنبر من نترات وتنر ومفرقعات.

وأكدت “المصادر المطلعة” أن “التحقيق العسكري في فرع المعلومات اتّبع منهجية معينة من استجوابات وكاميرات، وكذلك فعل المحقّق العدلي فادي صوان الذي اتّبع 3 مسارات، الأول: التحقيق مع الموقوفين. والثاني: إدخال عناصر جديدة على التحقيق من قضاة وموظفين سابقين. والثالث: التحقيق مع وزراء الوصاية. وتوقعت المصادر ألّا ينتهي الملف في أقل من سنة بالمجلس العدلي لصدور القرار الظني وتسطير الاتهامات”.

وكشفت المصادر أيضًا -حسب الصحيفة- أن “التحقيق يركّز على دور الأجهزة التي تتولى الأمن في المرفأ”. كما كشف أن التقرير النهائي للتحقيق حول شكل الانفجار يثبت “أن قوة الانفجار كانت بعصف دائري، لكن نصفه اصطدمَ بالبحر، والنصف الآخر اصطدمَ ربعه باليابسة، مما أدّى للدمار الذي ظهر في منطقة الدائرة الأولى (الأشرفية والمدوّر ومار مخايل والجميزة) والربع الثاني اصطدم بالإهراءات (صوامع القمح)”.

وتابعت المصادر للصحيفة أن “أقل من ألفي طن من نترات الأمونيوم انفجرت، وأنه بين 700 إلى ألف طن من هذه المواد التي كانت مخزّنة لم تنفجر، وقد توصّل التحقيق حول هذه النقطة بالذات إلى احتمالين: الأول أن هناك من كان يسرق هذه المواد ويبيعها. والثاني أن هذه الكمية احترقت لكنها لم تنفجر نتيجة خلل في الصلاحية”.

في السياق، ذكرت “الأخبار” المحلية أن “التحقيق في جريمة تفجير المرفأ يسير ببطء شديد، على الرغم من أن المحقق العدلي يجري استجوابات يومية لعدد من الموقوفين”.

تفاصيل الانفجار المروّع

من جهته أوضح المحامي أيمن رعد، عضو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، لـ”فرانس 24″ما حدث يوم الانفجار فقال:

عند الساعة السادسة وثماني دقائق (15,08 ت غ) من الثلاثاء الرابع من آب/أغسطس، وقع انفجار أول في مرفأ بيروت بعد نشوب حريق في أحد عنابره، تلاه انفجار هائل ألحق دمارًا كبيرًا بالمرفأ وبالأحياء القريبة منه.

بعد ساعات على وقوع الانفجار، أعلن رئيس الحكومة حسان دياب المستقيل أن الانفجار نتج عن 2750 طنًا من مادة نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة منذ ست سنوات في مستودع “خطير”.

وذكرت السلطات أن النيترات مصادر منذ سنوات من باخرة توقفت في مرفأ بيروت لتحميل بضائع إضافية، لكنها حجزت في بيروت وأنزلت منها البضاعة بعد أشهر ووضعت في “العنبر رقم 12 في المرفأ”.

ومادة نترات الأمونيوم عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية. لكن، يمكن استخدامها أيضاً في تصنيع المتفجرات.

وقالت أستاذة الكيمياء في جامعة رود آيلاند جيمي أوكسلي أنه “من الصعب جدًا إشعال” نيترات الأمونيوم، كما أنه “ليس من السهل تفجيره”.

كيف وصل الأمونيوم إلى بيروت؟

وصلت شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 على متن باخرة تدعى “روسوس” كانت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق.

وتوقفت الباخرة في بيروت لتحميل معدات تُستخدم في عمليات المسح الزلزالي بحثًا عن النفط كانت السلطات اللبنانية تريد إعادتها إلى الأردن. لكن لدى البدء بتحميل أول آلية، حصلت أضرار في الباخرة المهترئة، فتوقفت عملية النقل. ومنعت الباخرة من الإبحار.

لكن تقارير أخرى ذكرت أن القضاء اللبناني أصدر قرارًا بالحجز على  الباخرة بعد شكوى ضدّها من شركة لبنانية لأسباب لها علاقة بمستحقات عليها.

هل من علاقة لحزب الله؟

وقام صحافيون استقصائيون من وسائل إعلامية عدة بإجراء تحقيق نشره موقع “مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه” (أو سي سي أر بي) ذكر فيه أن “مالك سفينة روسوس هو خرالامبوس مانولي، وهو قطب قبرصي في قطاع الشحن”.

ولفت التحقيق الصحافي أنه كان من المفترض إيصال الشحنة إلى مصنع متفجرات موزمبيقي “فابريكا دي إكسبلوسفوس دي موزامبيق”، وهو “جزء من شبكة من الشركات التي سبق التحقيق فيها بشبهة أنها تزوّد جماعات إرهابية وتورّطت في الإتجار بالأسلحة”. إلا أن الشركة لم تطالب يومًا بالحمولة.

كما كشف التحقيق أن مانولي مدين لمصرف تنزاني يدعى “أف بي أم إي”  اكتشف محققون أمريكيون في وقت سابق أنه قام بعمليات غسيل أموال لصالح حزب الله اللبناني. في 2018، غرقت السفينة قبالة مرفأ بيروت خلال عاصفة.

ولا يزال سبب وقوع الانفجار غامضًا. فقد أشارت مصادر أمنية الى أنه قد يكون نتج عن عمليات تلحيم فجوة في العنبر تسبّبت بحريق فيه أدّى إلى اشتعال نيترات الأمونيوم. ويشكّك كثر في صحة تلك الفرضية.

وتحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون بعد وقت قصير على وقوع الانفجار عن “إهمال أو صاروخ أو قنبلة”.

وحتى اليوم، يصرّ بعض المحللين على ذكر فرضية حصول غارة إسرائيلية، موجّهين أصابع الاتهام إلى حزب الله بالاحتفاظ بسلاح أو مواد متفجرة في المرفأ، لكن إسرائيل وحزب الله نفيا ذلك بشدة.

وذكرت تقارير إعلامية عدة موثقة بمستندات رسمية  أن كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت أقل بكثير من 2750 طنا، إذ تبين أن كميات كبيرة أخرجت من العنبر (سرقت على الأرجح) خلال السنوات الماضية. وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت سلطات المرفأ إلى إصلاح الفجوة في العنبر.

بينما تداولت وسائل الإعلام بصور مستندات رسمية تظهر أن تقارير عدة وشكاوى رفعت إلى القضاء والسياسيين حول خطورة العنبر رقم 12، من دون أن يقدم أحد على اتخاذ أي تدبير كان من شأنه تجنيب اللبنانيين الكارثة.

من كان يعلم؟

“كانت كل الأجهزة الأمنية والجمارك وإدارة المرفأ والقضاء ومسؤولون سابقون وحاليون يعلمون بوجود كميات هائلة خطرة من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ. حتى أن جهازًا أمنيًا حذّر السلطات من أن اشتعال هذه المواد قد يؤدّي إلى انفجار مدمّر.

في 20 تموز/يوليو، تلقى عون ودياب رسالة من جهاز أمن الدولة حول “الخطر” الذي يشكله تخزين هذه الكميات في المرفأ. وقال عون إنه أحال المذكرة التي تلقاها إلى مجلس الدفاع الأعلى لاتخاذ التدابير اللازمة.”

“تلغراف”: تهريب نترات الأمونيوم إلى أوروبا

كتبت صحيفة “القبس”: “الحكومة الأميركية تكشف النقاب عن معلومات جديدة بشأن تواجد حزب الله في أوروبا”.. بهذه الجملة استهل منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، السفير ناثان سيلز، حديثه للصحافيين، مؤكدًا خلال حديثه أن “حزب الله”، نقل نترات الامونيوم من بلجيكا إلى فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا.

ونقلت صحيفة “تلغراف” عن المسؤول الأميركي أن “حزب الله”، هَرَّب كميات مُخبّأة من نترات الأمونيوم إلى أوروبا لاستخدامها في شنّ هجمات، حيث نقلت نترات الأمونيوم من بلجيكا إلى فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا.

وتابع: “منذ 2010، أسس “حزب الله” مخابئ لنترات الأمونيوم في أنحاء أوروبا، بنقل حقائب إسعافات أولية تحتوي على هذه المادة، أستطيع أن أكشف أن مثل هذه المخابئ تم نقلها من بلجيكا إلى فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا”.

وأوضح أنه تم اكتشاف مخابئ هامة لنترات الأمونيوم وتدميرها في فرنسا واليونان وإيطاليا، ولهذا السبب فإن الإدارة الأميركية “تعتقد أن هذا النشاط لايزال مستمرًا”. وقال سيلز للصحافيين في مؤتمر باللجنة اليهودية الأميركية: “لماذا خزن حزب الله نترات الأمونيوم في الأراضي الأوروبية؟، الإجابة واضحة”.

وأضاف أنه “يخزّن هذه الأسلحة في مكان حتى يستطيع أن ينفّذ هجمات إرهابية خطيرة، حيث يعتبر أسياده في طهران هذا أمرَا ضروريَا”، مشيرًا إلى دعم وتمويل طهران للجماعة الشيعية، بحسب تعبيره.

وسط هذا الغموض المتكاثف حول ما جرى في مرفأ بيروت، وأمام التصريحات المتناقضة في ما يخصّ التحقيقات اللبنانية والأوروبية والأميركية والتركية المشتركة، وبين أن تنكشف الحقائق خلال خمسة أيام من حدوث الانفجار أو أنها ستمتدّ إلى سنوات طويلة، وبين الإصرار اللبناني على رفض التحقيق الدولي الذي “يضيّع الحقائق” وبين دخول الحذر الدولي والإقليمي والمحلي من تداعيات كشف الحقيقة على خطّ تغييب الأسرار، تبقى آلام اللبنانيين وأحزانهم ودمار بيوتهم وفقدان أحبّتهم معلقة على خشبة الجلجلة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى