الشامي: فليحضر مصرف لبنان جلسة مجلس الوزراء والدولة هي نحن… جميع المواطنين
- مشروع القانون جهد مشترك بين الحكومة والبنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهما الجهتان الأساسيتان المناط بهما مسؤولية معالجة وضع المصارف ولديهما الخبرة والمعرفة في هذا المجال
- الأفكار الجديدة التي طوّرها مصرف لبنان كانت تحديد الودائع المشروعة وغير المشروعة كما أن فكرة الفصل بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة أتت أساساً في إطار تعاميم مصرف لبنان ومنها 158 و166
- عدّل مصرف لبنان فكرة تحويل الودائع إلى أسهم في المصارف (bail-in) وكذلك اقتراح السندات الصفرية وخاصة بالنسبة للمساهمة مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف إضافةً إلى فيض من الأمور الاخرى
- من أهم التعديلات التي أدخلت وبموافقة مصرف لبنان هي إعطاء دور أكبر لموضوع محاسبة الذين استفادوا من الأزمة والذين استطاعوا تهريب أموالهم الى الخارج بعد 17 تشرين الثاني من العام 2019
- لا يحق للذين شاركوا في إعداد المشروع التنصل من مسؤولياتهم وسمعنا بأن مصرف لبنان لا يتبنّى المشروع حيث إنه ساعد الحكومة بالشق التقني بصفة مستشار مالي أو بتعبير آخر ترجم خطة الحكومة عبر هذا القانون
- وكأن مصرف لبنان يقول إن لا علاقة له بموضوع معالجة أوضاع المصارف ولا ببرنامج الإصلاح الاقتصادي وهذا أمر مستغرب لأن السلطة النقدية هي أولى المعنيين وإذا كانت لديها بدائل أفضل كان يجب التقدم بها
أودع نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال الدكتور سعادة الشامي الامانة العامة لمجلس الوزراء كتاباً بخصوص مشروع القانون المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، وبما ان المشروع أعد أصلاً من مصرف لبنان، فطلب ضرورة دعوة حاكم المركزي لحضور الجلسة المخصصة للمشروع لشرحه وللرد على استفسارات الوزراء. وتنشر «نداء الوطن» ابرز ما جاء في نص الكتاب:
كُلفت برئاسة الوفد المفاوض مع الصندوق بعضوية وزيري المالية والاقتصاد، وحاكم مصرف لبنان، فتوصلنا إلى اتفاق (…) ثم طورنا مذكرة التفاهم وأعددنا ورقة مفصلة تتضمن برنامجاً اصلاحياً. غير أن البرنامج افتقر للدعم والزخم المطلوبين من قبل الحكومة، ناهيك في مجلس النواب الذي ما زال يردد الكثير من أعضائه انه ليس للحكومة أي برنامج، وفيما يريد البعض التنصل من ذلك الاتفاق حتى ممن شارك في المفاوضات(…)
لجنة المال والموازنة
ولكن لنضع صندوق النقد جانباً ولنفرض بأننا لسنا بحاجة إليه (…)، إن القوانين المتعلقة بإعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي التي قدمت في أيلول 2022 كاقتراح قوانين إلى مجلس النواب لم تدرس بالشكل المطلوب في اللجان المختصة، وتوقفت الاجتماعات منذ نيسان 2023 في لجنة المال والموازنة بعد بضعة اجتماعات أولية. ولو توالت هذه الاجتماعات لكان من الممكن الوصول إلى حلول عبر اعتماد هذه القوانين بعد أخذ ملاحظات واقتراحات النواب عليها.
تعديل الصيغة
إغتنمنا الفرصة لإدخال تعديلات وتحسينات على المسودة الأولى وصولاً للصيغة التي هي قيد البحث اليوم. فمشروع القانون المطروح أمامنا يهدف إلى تأمين الحماية القصوى للودائع المشروعة وتعزيز الاستقرار المالي وإعادة تفعيل القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته وتحسين حوكمته، آخذين بعين الاعتبار استدامة الدين العام دون إثقال كاهل المواطنين بأعباء ضريبية إضافية لا طاقة لهم لتحملها. كما يهدف القانون إلى تقليص حجم الإقتصاد النقدي الذي إذا استمر سيلحق ضرراً كبيراً بلبنان وبعلاقاته مع المصارف المراسلة والمؤسسات المالية الدولية، ناهيك عن وقعه على المالية العامة جراء التهرب الضريبي.
أتى مشروع القانون هذا ليطوّر مشروع إعادة هيكلة المصارف السابق وليدمج ضمنه قانون «إعادة الانتظام للقطاع المصرفي». إنه ثمرة جهد مشترك بين الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. فالبنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف هما الجهتان الاساسيتان المناط بهما مسؤولية معالجة وضع المصارف، وهما أصحاب الخبرة والمعرفة في هذا المجال.
أفكار مصرف لبنان
ومن الأفكار الجديدة التي طوّرها مصرف لبنان على سبيل المثال كان تحديد الودائع المشروعة وغير المشروعة، كما أن فكرة الفصل بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة أتت أساساً في إطار تعاميم مصرف لبنان ومنها التعاميم 158 و 166. وكذلك عدل مصرف لبنان فكرة تحويل الودائع إلى أسهم في المصارف (bail-in) وكذلك اقتراح السندات الصفرية وخاصة بالنسبة للمساهمة مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف، إضافةً إلى فيض من الأمور التي عمل عليها مصرف لبنان وأدخلها على القانون. من أهم التعديلات التي أدخلت هي إعطاء دور أكبر لموضوع المحاسبة للذين استفادوا من الأزمة والذين استطاعوا تهريب أموالهم الى الخارج بعد 17 تشرين الثاني من العام 2019.
لقد ناقشنا مشروع القانون مع مصرف لبنان واقترحنا بعض التعديلات عليه قبل تحويله الى مجلس الوزراء. وفي اليوم نفسه سرب القانون وبدأت تنهال علينا الانتقادات (…) إن من حق الجميع إبداء ملاحظات وانتقادات (…)، ولكن ما الفائدة من القضاء على أي مشروع في مهده دون مناقشته بصورة علمية وموضوعية وخاصة أننا منفتحون لتلقي أي ملاحظات.
لا يجوز التنصّل
كما أنه لا يحق للذين شاركوا في إعداد المشروع التنصل من مسؤولياتهم. لقد سمعنا بأن مصرف لبنان لا يتبنى المشروع حيث إنه ساعد الحكومة بالشق التقني بصفة مستشار مالي، أو بتعبير آخر ترجم خطة الحكومة عبر هذا القانون. وكأنه يقول إن لا علاقة له بموضوع معالجة أوضاع المصارف ولا ببرنامج الإصلاح الاقتصادي. وهذا أمر مستغرب إذ إن السلطة النقدية هي أولى المعنيين بهذا الموضوع. وإذا كان لديها بدائل أفضل كان يجب التقدم بها في سياق التحضير لهذا المشروع وصياغته.
في هذه الظروف الصعبة، على الجميع العمل سوياً للإسراع بإصدار القانون لأن الوقت حان لمعالجة وضع أصحاب الودائع المشروعة وهم لا ذنب لهم في ما وصلت إليه الحال. وقد عانوا الأمرين واضطروا إلى سحب ودائعهم بنسب اقتطاع كبيرة تبعاً لتعاميم مصرف لبنان خلال الأربع سنوات الماضية. فبقدر ما نسرع في تفعيل القطاع المصرفي ونعيد الثقة اليه بقدر ما نساعد المودعين على استعادة ودائعهم في وقت أقصر وقيمة أكبر، لأنه في وجود قطاع مصرفي سليم تنتفي الحاجة الى تدافع المودعين لسحب أموالهم وتعود المصارف الى ممارسة عملها الطبيعي.
بالعودة الى الاعتراضات، يمكن القول إن معظمها يصب في اتجاه واحد ألا وهو تحميل الدولة ردم الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي والمقدرة بحوالى 70 مليار دولار أميركي، كما ورد في مذكرة «ربط النزاع» التي تبناها عدد من المصارف وهي تدرك تماماً أن لا قدرة للدولة على ذلك في الوقت الحاضر، وذلك في محاولة لحرف النظر عن المسؤوليات بشكل أن يقال للمودع أن ودائعك هي مع الدولة. ان المودع تعاقد مع المصرف ولو كان يدرك أن وديعته هي مع الدولة لكان أحجم بالتأكيد عن إيداع ماله في المصارف.
هناك مسؤولية على السلطات
هذا لا يعني انه ليس هناك من مسؤولية عن الانهيار على السلطات المتعاقبة أكانت السلطات التنفيذية التي أعدت موازنات فضفاضة أدت إلى تراكم كبير للدين العام، أو السلطة التشريعية التي صادقت على بعض الموازنات وغضت الجهتان النظر عن المخالفات الجسيمة التي ارتكبها مصرف لبنان لإخفاء خسائره. ولقد حملنا الدولة في مشروع القانون 2.5 مليار دولار، وينص المشروع على ان مساهمة الدولة يمكن أن تزيد في المستقبل إذا توافرت بعض الشروط ومنها تجاوز إيرادات الدولة معايير محددة، وانخفاض الدين العام الى مستويات تضمن استدامته ولكن مع المحافظة على النفقات الاجتماعية والخدمات العامة وإنجاز الإصلاحات الأخرى المطلوبة ضمن برنامج إصلاحي متكامل.
ولكن ليس لدى الدولة الآن الإمكانات التي تسمح لها بأن تساهم في اغلاق الفجوة المالية التي توازي ما يقارب أربعة أضعاف الناتج المحلي وعشرين ضعف مجمل إيرادات الخزينة الحالية. فإذا أرادت الدولة التي هي نحن جميع المواطنين أن تتحمل هذه الخسارة فعليها أن تفرض ضرائب باهظة على المواطنين والأجيال القادمة. الكل يدرك أن زيادة بعض الرسوم في موازنة 2024 ووجهت بانتقادات لاذعة واصوات مرتفعة من الأشخاص والجهات عينها التي هي تطالب اليوم بتحميل اللبنانيين جميعاً، مودعين وغير مودعين أعباء ضخمة لا قدرة لهم لتحملها.
المادة 113
في هذا السياق يلجأ البعض الى المادة 113 من قانون النقد والتسليف، كسبيل لتحميل الدولة أعباء العجوزات المتراكمة والديون المترتبة على المصرف المركزي، وبالتالي مسؤولية تسديد الودائع المصرفية المحتجزة وذلك في محاولة لتحميل الدولة وحدها المسؤولية وإعفاء الآخرين من أي مساءلة ومسؤولية. فالمادة 113 تنص على انه إذا كانت «نتيجة سنة من السنين عجزاً في مصرف لبنان، تغطى الخسارة من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة». ولكن لا يمكن اعتماد هذه المادة لتغطية خسائر جسيمة على مر السنين ناتجة عن اعتماد مصرف لبنان أساليب محاسبية «خلاقة» لتغطية خساراته التي نتجت عن سياسات غير مألوفة وبهلوانيات مالية (ولا أريد استعمال كلمة «هندسات»، ترأفاً بسمعة مهنة الهندسة القائمة على أسس علمية بحتة) وأساليب محاسبية غير مألوفة وعلى مرأى ومسمع جميع المسؤولين في ذلك الوقت، والتي ترتكز على دفع فوائد عالية لجلب الودائع بالدولار ما دفع أكثر المصارف الى اعتماد وسائل عدة لإقناع اللبنانيين وخاصة المغتربين منهم بإيداع أموالهم في المصارف وهم يدركون جيداً ان الأمور لا تسير في الطريق الصحيح.
صحيح أنه كان لزاماً على المصارف إيداع نسبة من الأموال التي ائتمنوا عليها من قبل المودعين في مصرف لبنان كاحتياطي الزامي وكذلك احتجز مصرف لبنان بعض الدفعات بين المصارف في الفترة الأخيرة، ولكن تخطت هذه الايداعات بكثير هذه المبالغ. فهل يُعقل أن تدعي بعض المصارف الآن بأن كل ما أصابها هو ناتج فقط عن سوء إدارة من الدولة وتحميلها كل المسؤولية؟ لقد كان بإمكان جمعية المصارف أن تقف صفاً واحداً في ذلك الوقت كما هي تحاول اليوم وترفض ما يجري، بل ذهب بعضها بعيداً في المنافسة على الاستفادة من السياسات الاغرائية المتبعة من مصرف لبنان، بالإضافة الى ذلك كيف يمكن تحميل الموازنة ديوناً بمفعول رجعي وغير مقرة في مجلس النواب وفي مخالفة لمبدأ سنوية الموازنة؟
لا للشعبوية
في الختام نحن بحاجة الى مقاربة الأمور بواقعية بعيداً عن الشعارات الشعبوية. فإطالة مدى الأزمة لن يؤدي إلى حلها، بل الى تفاقمها والى خسارة أكبر يتحملها المودعون. بينما الذين كانوا السبب في الأزمة ما زالوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ولا يبالون كثيراً بما حل بالمودعين رغم بعض الادعاءات الواهية والغيرة المصطنعة. ومع هذا كله وفي ظل أزمة طالت الجميع، ليس هناك نية للاقتصاص من أحد ان لم يقترف ذنباً أو لم يقم بعملية اختراق صارخة للقوانين.
نعم على الدولة المساهمة في إيجاد الحلول من باب التضامن الاجتماعي وان يتحمل من له قدرة من المواطنين على التحمل لمساعدة شريكهم في الوطن. فالدولة تساهم من ضمن الإمكانيات المتاحة وستساهم بشكل أكبر إذا تضافرت الجهود لوضع الإصلاحات الضرورية موضع التنفيذ. ولكن بدل المماطلة المتعمدة واضاعة الوقت نرى أنه من الضروري المضي قدماً في مناقشة وإقرار هذا القانون بعد إدخال التعديلات والتحسينات والإضافات المفيدة عند الاقتضاء ومن ضمن سلة إصلاحات متكاملة. فكلما أسرعنا في ذلك وتحسنت الأوضاع الاقتصادية والمالية كلما نشرع في استرداد حقوق المودعين.