أخبار كندا

قصة كندية ساعدها افتتاح مطعم في العثور على عائلتها بعد سنوات طويلة (ج1)

عندما دشنت إينيز كوك مطعما يقدم أطعمة مستوحاة من مطبخ السكان الأصليين في كندا، خاضت رحلة لم تكن في الحسبان نحو إعادة اكتشاف هويتها والعثور على عائلتها التي انتزعت من أحضانها منذ سنوات طويلة.

تقول إينيز كوك، صاحبة مطعم “سلمون آند بانوك” في فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية: “ولدت لأبوين من شعب “نوهالك” (أحد الشعوب الأصلية ويشار إليه باسم بيلاكولا)، لكني تربيت في كنف عائلة من ذوي البشرة البيضاء. فقد كنت واحدة من الآلاف من أطفال الشعوب الأصلية في كندا الذين انتزعوا عنوة من ذويهم ونقلوا إلى منازل عائلات من غير السكان الأصليين”.

لم تكن كوك تتجاوز من العمر عاما عندما انتُزعت من أحضان أمها ومن مجتمع شعب نوهالك أثناء العمليات الممنهجة لفصل أطفال السكان الأصليين عنوة عن ذويهم ومجتمعاتهم الأصلية في إطار سياسة الانصهار الثقافي التي وضعتها الحكومة الكندية في أواخر الستينيات واستمرت حتى الثمانينيات من القرن الماضي.

وتقول كوك: “كان الهدف من هذه السياسة طمس ثقافتنا وأصولنا، اعتقادا منهم أننا سنكون أفضل حالا لو تربينا وسط عائلات أوروبية وسلكنا مسلكهم، لكن هذه الممارسات في المقابل خلفت صدمة نفسية تردد صداها لأجيال. لكني كنت واحدة من المحظوظات لأني تربيت في بيت تغمره المودة والحب”.

وتنسب كوك لعائلتها بالتبني الفضل في غرس تقدير الطعام الدائم والعميق في نفسها، وتقول: “تنتمي عائلة أمي بالتبني إلى المينونايت الروسيين الذين ينحدرون من أصول هولندية، وكانوا بارعين في الطهي. وعشقت فطائر البيورجية المسلوقة وتعلمت طريقة إعداد حساء البورش”

لكن كوك، رغم أنها نشأت في بيت سعيد، ظلت تشعر أنها غريبة عن العائلة. وتقول: “ليس فقط لأنني السمراء الوحيدة في صور عائلة جميع أفرادها من ذوي البشرة البيضاء، بل كنت أشعر دائما أن في قلبي حنين جارف لثقافتي لم يهدأ قط”.

وبينما كانت كوك تقود سيارتها في أحد الأيام، لمحت على الطريق السريع لافتة “لا تندهش، لدينا خبز البانوك”، وهو الخبز التقليدي للسكان الأصليين في كندا. وقررت حينئذ أن تؤسس مطعمها الخاص لتحتفي بجذورها.

وتقول: “كنت أعمل في المطاعم منذ مرحلة المراهقة، سواء في غسل الصحون أو تقديم الطعام وخدمة الزبائن، لكني كنت أحلم دوما بأن أدشن مطعمي الخاص. ويبدو أن هذه اللافتة ساعدتني في اكتشاف هدفي في الحياة”.

وشرعت كوك في البحث عن مكونات أطعمة الشعوب الأصلية وأساليب الطهي الخاصة بهم. وتقول: “أردت أن أقدم في مطعمي الأطعمة التي كان السكان الأصليون يصطادونها ويجمعونها من البر أو البحر، مثل السرخس الملتوي ولحم ثور البيسون وسمك السلمون الأحمر. وأردت أن أطهو هذه الأطعمة بالطرق التقليدية أيضا، فأتعلم كيف كان السكان الأصليون يدخنون هذه الأطعمة أو يحفظونها في شهور الشتاء الطويلة. وأخذت أسأل واستفسر وأتعلم، وشرعت في إضافة لمساتي الخاصة”.

وفي عام 2010، فتح مطعم “سلمون آند بانوك” أبوابه للزبائن، وضمت قائمة الطعام أطعمة السكان الأصليين بنكهة معاصرة. وتقول كوك: “كنت أتولى بمفردي جميع المهام في المطعم، فكنت أروح وأجيء بين المطبخ ومدخل المطعم لاستقبال الزبائن، وكنت أتعامل مع الموردين، مثل أحد شيوخ القبائل الأصلية الذي كنت أكلفه بجمع التوت البري، وكان يحمل دائما سلاحا ناريا لإبعاد الدببة”.

وعندما لاقى المطعم رواجا، تفرغت كوك لإدارة مشروعها، لكنها ظلت تشارك في إعداد قائمة الطعام. وتقول: “أتحدث مع الطهاة ونتبادل الآراء عن النكهات والأطباق التي نفضلها. وقد نأخذ مكونات أطعمة السكان الأصليين، مثل ثمار شجر السابيندوس أو الطحالب البحرية، ونبتكر وصفاتنا الخاصة. فقد نخلط ثمار السابيندوس مع الماء والسكر لإعداد حلوى وردية خفيفة القوام، أو نحشو الطحالب البحرية بالأزر البري، على غرار أوراق الملفوف. وكثيرا ما نبتكر وصفات جديدة مستلهمة من أطعمة الشعوب الأصلية”.

البيميكان

وبينما كنت أتحدث مع كوك، قدم لي النادل طبقا من كريمة الموس الحاذقة. وأشارت كوك إلى أن هذا الطبق مستوحى من البيميكان، وهو أحد أهم أطعمة أجدادها. وتقول: “إن البيميكان هو خليط من اللحم المجفف والتوت، وكان أجدادي يخبؤون دائما أكياسا مملؤة بهذا الطعام حتى يجدوا دائما ما يسد رمقهم في أسفارهم. وقد أعدنا هذه الأكلة إلى الحياة وأدخلنا عليها لمساتنا الخاصة. فقد خلطنا لحم ثور البيسون المدخن والمجفف والمطحون مع الجبن والتوت المفعم بنكهة الميرمية”.

وكان البيميكان شهيا وخفيفا وغنيا بالنكهات ويبدو فيه مذاق اللحم المدخن واضحا، وأضفى عليه خبز البانوك المقرمش والمحمص مذاقا رائعا.

وتقول كوك: “لا أهدف إلى تقديم طعام شهي فحسب، بل أريد أن يكون هذا المطعم بمثابة جسر يتعرف من خلاله الناس على سكان كندا الأصليين. فطالما تعرض أفراد الشعوب الأصلية للتمييز والتحيز والتجاهل. وإذا سردنا للناس تاريخنا وثقافتنا وعرضنا عاداتنا وتقاليدنا من خلال الطعام، قد نساعد في التصدي لهذه الممارسات العنصرية. فالطعام قد يسهم في بناء جسور التواصل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى