جاليات

أم حسين بـ “ما إلي غيرو” تطبع بصمة استثنائية في عالم المسرح الفكاهي الهادف في الاغتراب

وأطلت أم حسين بلكنتها الجنوبية المحببة وفستانها المزخرف بكل الالوان المشغول على يد خياطة قروية من الجنوب، وجواربها، كما منديلها الابيض تشكو همومها للطبيب النفسي علّها تجد راحتها بين أبحاثه وعلاجاته، فهي أوجعتها هموم الحياة وغدراتها مرة بسبب طلاق ابنها حسين الذي بات طلاقه ظاهرة بعد ان تعدّى الخمس ومرات بسبب خيانة زوجها ابو حسين وعدم اهتمامه بها رغم حبها الكبير له، وما بينهما خسارة جنى العمر والذي لأجل جمعه كانت تخبز وتبيع على مدى 17 عاما وترسل ما تنتجه الى لبنان على أمل عيش حياة كريمة في فترة التقاعد….

هذه هي باختصار الفكرة التي تقوم عليها مسرحية “ما الي غيرو” My only one، فكرة الاستعانة بالطبيب النفسي الذي لما تزل فكرة طرح الموضوع في مجتمعاتنا العربية مستهجنة لا بل أكثر من ذلك ساخرة وغير مقبولة، قدمها  الكاتب والممثل المسرحي ناجي مندلق بقالب جديد فيه من الفكاهة والابتسامة ما ساعدنا على فهم العقدة الرئيس بطريقة راقية كما برع  عزيز شراباتي في اخراجها بهذا الشكل المتقن، فساهمت الشخصيات المشاركة التي لعبت ادوارها بحرفية عالية الى ناجي مندلق بدور إم حسين، ميشال مندلق بدور “إم الياس”، أيمن صفاوي بدور “أبو حسين”، حسن الحاج بدور “أبو الياس” المشتغل بالسحر والزوج مرزوق، ربيع جابر بدور “حسين”، نادر عودة بدور الطبيب النفسي، رامي طه بدور موظف السفارة الأميركية، كارو كافيندن بدور زوجة أبو حسين الجديدة بتقديم الافضل والابتسامة المجانية كما الضحك المتواصل لجمهور مسرحهم الذي تابعم وعلى مدى ساعتين من الوقت في مسرح Marcellin Champagnat في لافال في كندا.

بحسّ فكاهي ذكي خال من كل ابتذال وكلمات جارحة دخلت ام حسين قلوبنا ودون استئذان، ومعها عشنا الوطن والغربة في آن، فصحيح انها اميركية الاقامة الا انها حملت موروثاتنا البلدية معها الى هناك حيث راحت تخبز وتجمع وتساعد، تهتم بعائلتها لا بل ذهبت الى المشتغل بالسحر مع جارتها وصديقتها ام الياس، فعشنا مع المبدع ناجي المندلق الابتسامة ودروس الحياة التي نقلها لنا باحترافية عالية سواء بجسده المطواع او بصوته ولكنته العربية المطعّمة بالانكليزية “وعلى قدّ الحال” او حتى بالعبارات المستعملة المعروفة انها من قاموس محترفاتنا البلدية “يبعتلك مرض التاني بالفراش والتالت بالإنعاش”، أو “معلمة شو، تعلّم العصا ع جنابك” أو عزرايل يقبض روحو ع روحك”. فجاءت الشخصية في بلد المهجر مؤاتية لكل حالم بأرضه أو باحث عن رائحة ترابه.

وتمثّل مسرحية “أم حسين” عملًا فنيًا ملهمًا يشجعنا على التفكير في قوة الإنسانية وقدرتها على التغلب على التحديات والبناء على الفرص الجديدة، فمن خلال ما تعالجه من قضايا حياتية يومية، كمثل الطلاق، الاغتراب، الاعاقة، التلاعب، الموت والحياة تجسد الروح الإنسانية وتجعلنا نشعر بالاعتزاز بقدرة الفن على نقل القصص وتوصيل الرسائل الهامة.

“وأم حسين ” هي واحدة من المسرحيات التي تنضوي تحت لواء “فرقة مسرح أجيال” التي أسّسها ناجي المندلق في العام 1988 في أميركا والتي قدمت الكثير من الاعمال الفنية ذات الطابع الكوميدي الذي ينتقد دون أن يجرح ويُضحك دون أي تطاول محترماً المشاهد بكل افراد عائلته حتى باتت عناوين مسرحياته البسمة التي ينتظرها المهاجر على امتداد الدول التي تقدم فيها الفرقة عروضها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى