المسحراتي .. نجم رمضاني من الزمن الجميل
كتبت سوسن بركي
ترتبط مهنة المسحراتي بشهر رمضان الكريم حصرا، وهي أحدى رموز الشهر الفضيل في أغلب الدول العربية، حيث يحافظ على هذا الإرث والتقليد الرمضاني، كلّ على طريقته.
ارتبط احتفال الشعوب العربية بقدوم شهر رمضان الكريم على مر الأزمان، بظهور المسحراتي في الشوارع والحواري القديمة، والذي أصبح أحد مظاهر وعلامات هذا الشهر المبارك، كالفوانيس الرمضانية، والكنافة، والقطايف، ومدفع الإفطار ، فهو يجوب في مختلف الأحياء في المدن والقرى، سائرًا على قدميه لإيقاظ وتنبيه الصائمين .
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الحديثة، أثَّرت على وظيفة المسحراتي وجعلته في طريقه الى الانقراض إلا أنه لا يزال البعض يتمسك بعاداته، ومازال مرتبطًا بقلوب الناس…كما أن البعض يتعلق بصوت المسحراتي الذي تعوَّد أن يوقظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور، وهو يردد أعذب وأجمل الأدعية والأغنيات.
في زمن الطفولة الجميل، كنا نستمع الى صوت المسحراتي، وهو محتفظُ بشكله التقليدي وبصحبته الطبلة الصغيرة وقطعة من الجلد يقرع بها طبلته، والعصا التي يطرق بها أبواب بيوت الحي الذين عادة ما يعرفهم بأسمائهم . أما قديمًا، فكان المسحراتي يجوب شوارع “القاهرة” وأزقتها، ويصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح تضيء به الطريق، وهو يردد نداءاته المميزة (أصحي يا نايم، وحّد الدايم )، ويذكر اسـم صاحب المنزل الذي يقف أمامه. وغالبًا ما كان يعرف أسماء جميع الموجودين في المنزل من الرجال ويردد الدعاء لهم. وكان من عادة النساء في ذلك الوقت، ان يضعن قطعة معدنية من النقود ملفوفة داخل ورقة، ثم يشعلن أحد أطرافها، ويلقيان بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها، ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعًا .
أما بالنسبة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي المحببة، ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة، وغالبا ما كان هؤلاء الصغار يحملون الفوانيس حول المسحراتي، والهبات والعطايا التي كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بعملية التسحير . أما عن الهدية التي يتلقاها المسحراتي، فتكون فى صباح يوم العيد، الذي يحرص فيه على المرور على كل بيوت المنطقة لتهنئتهم بالعيد وجمع ما يجود به الأهالي في سلته، والتي تتمثل في بعض النقود والأطعمة والحلويات . ومع مرور الزمن، طرأت عليه الكثير من التغيرات، خاصة مع بدء البث الإذاعي المسموع والمرئي، حيث يسمعه ويراه الملايين عبر الراديو والتلفزيون طوال الشهر الكريم . ورغم ذلك لم يختفِ مسحراتي الشارع، إذ لا تزال الناس تنتظره مع بزوغ هلال رمضان من كل عام . كما أن دخول الكهرباء في الشوارع والحارات ، واستخدامها بكثرة تقلص دور المسحراتي؛ حيث بدأ الناس يسهرون ليالي رمضان في المقاهي، أو أمام التليفزيون .
لقد جذبت فكرة المسحراتي عددًا كبيرًا من الفنانين والشعراء، أمثال “بيرم التونسي”، و”فؤاد حداد”، والفنان الراحل “سيد مكاوي”، الذين نجحوا بالفعل في أن ينقلوا المسحراتي من الشارع إلي شاشة التلفزيون وميكروفون الإذاعة ،ليستخدموا أحدث تقنيات الاتصال في تسحير الناس. ولكن مهنة المسحراتي نفسها أصبحت أشبه بالتراث أو الفلكلور الشعبي، وإن كانت هناك بعض الأصوات المسحراتية مازالت تجوب شوارع الريف والأحياء الشعبية في إصرار كبير على المقاومة، خاصة وأنها تجد من يتقبلها، ويعتبرها من أهم المهن والمفردات الرمضانية المميزة لشهر رمضان.
ألا ليت تعود تلك الايام والزمن الجميل….