إقتصاد

الصوت مصدر للطاقة

خاص “المنبّه”- د. مازن مجوّز

تعتبر الأصوات العالية في المدن من إحدى مشاكل العصر،  وهذه الأصوات لو تم استغلالها لتمكنا من شحن بطارية الهاتف الجوال، فعلى الرغم من أن ثمن كمية الكهرباء المستخدمة في شحن بطارية هذا الهاتف ليس بكبير، لكن وبمعادلة بسيطة  لو حسبنا كمية الكهرباء المستخدمة في شحن جميع بطاريات هذه الهواتف  في دولة صغيرة لوجدنا انها تزيد عن 1000 دولار يومياً !

لا بد من الإعتراف بأن الطاقة هي الخط الحيوي لأي إقتصاد، وعامل مهم فى حياة كل الشعوب. فهي تعد المحرك الأساسي للإقتصاد، ويشجع “الحصول عليها بأسعار معقولة” النمو في جميع قطاعات الاقتصاد.

ففي ظل التحديات المتنوعة التي تواجه أسواق الطاقة العالمية يبقى توليدها بكلفة تنافسية أحد أكبر هذه التحديات في مصر خصوصا والعالم كله عموما، حيث يتوقع خبراء أن تعاني بلاد الفراعنة من ظلام شديد فى فصل الصيف، ومن مواجهة التحديات البيئية فيها، وصولا إلى وجوب الوصول إلى وضع الإستراتيجية المطلوبة لتأمين مستقبل الطاقة وتحقيق الإكتفاء الذاتي فيها.

ولعل هذه المعطيات وغيرها دفعت بفريق من الباحثين في الجامعة الأميركية في القاهرة، وفي تجربة هي الأولى من نوعها إلى إبتكار “المحرك الصوتي لتحويل الحرارة إلى صوت” يعمل بالطاقة الصوتية الحرارية، متعدد التطبيقات والاستخدامات، محققا الفريق من خلاله نجاحا في توليد الطاقة الكهربائية من الشمس والصوت‏، بكلفة تنافسية.

ومن مميزات هذا الإختراع أيضا – الذي تم الكشف عنه في مؤتمر صحفي في 19 مارس /آذار 2013 – أنه بالإمكان أن يعمل بحرارة الشمس فقط، وتطبيقات مشتركة للحرارة والطاقة،  والتي تحول بدورها النفايات الكهربائية الصناعية إلى طاقة كهربائية.

وكما يشير د.إيهاب عبد الرحمن، رئيس الفريق والعميد المشارك للدراسات العليا والأبحاث في كلية العلوم والهندسة في الجامعة، فإن هذه التقنية تعتمد على الإستفادة من إرتفاع معدل السطوع الشمسي في مصر، ومركزات الخلايا الشمسية والتي تعمل بكفاءة 90%، لتوليد طاقة حرارية تؤثر بدورها على هذا الإبتكار الجديد .

ويتابع بأن هذا الصوت يمكن تجميعه داخل أنابيب إسطوانية وتحويل الطاقة الصوتية إلى طاقة كهربائية، عبر محرك آخر. ويحقق الجهاز المعادلة الأصعب داخل عالم الطاقات المتجددة.

ويمتاز هذا المحرك – “الصديق للبيئة ” كما يصفه عبد الرحمن – أيضا بأجزائه غير المتحركة والتي تتطلب صيانة أقل، وبعمره الإفتراضي الأطول، وبتكلفته المنخفضة، فمن خلال الرمل لصناعة المركزات الشمسية والحديد يمكن تصميم المحرك في أقل من نصف ساعة، بتكلفة تصل الى أقل من دولار وفق عبد الرحمن.

وفي السياق نفسه فإن هذا المحرك يعمل  بأقصى قدر من معدل الكفاءة الحرارية  يصل إلى 33 %  وتسمى (كفاءة دورة كارنو )، أحد مقاييس الكفاءة الحرارية في المحرك الحراري بإنتاج 120 وات. مستخدماً الهواء أو الغازات النبيلة (الارجون والهيليوم والنتروجين). فضلا عن أن متوسط تكلفة الطاقة التي ينتجها أرخص بكثير من التقنيات المشابهة الأخرى.

لقد كلل المحرك الحراري، مشوارا بحثيا إمتد لأكثر من سبع سنوات، بتكلفة إجمالية تحملتها الجامعة الامريكية وصلت إلى 3 ملايين دولار، ويشهد المحرك العديد من المفاوضات من شركات استثمارية عربية،  تسعى للحصول على حق إنتاجه وتوزيعه.

وحتى اليوم تم تسجيل 3 براءات إختراع عن التقنيات المستخدمة في هذا الإبتكار القادر على إنتاج 4-5 كيلوات في الساعة طوال ساعات النهار، ما يكفي لتلبية إحتياجات أسرة واحدة من الطاقة. كما وسيساعد في إنارة المنازل والقرى في المناطق النائية البعيدة عن شبكات الكهرباء. ومن الممكن تخزين الطاقة الإضافية عبر بطاريات والإستفادة منها ليلا.

هناك طرائق وأساليب كثيرة لتهيئة الظروف التي تخلق إختراعات مماثلة، بغية توليد الطاقة بكلفة تنافسية، ومنها ما حصل مع الطالبة آية أحمد القواسمي (18 عاما سنة أولى في تخصص فيزياء) في جامعة بير زيت الفلسطينية، التي إبتكرت جهازا يقوم على تحويل الإشارة الصوتية غير المنتظمة إلى إشارة كهربائية يمكن الاستفادة منها في تشغيل أجهزة كهربائية ومحركات صغيرة، فكرة راودتها بسبب معاناة جدتها في شحن سماعة خاصة بتحسين القدرة على السمع.

وتقول القواسمي لصحيفة المستقبل اللبنانية في 27 فبراير/ شباط 2007 :” إنه في حال تطوير الفكرة،  فإنها ستؤدي إلى ثورة حقيقية ستظهر آثارها الايجابية سريعا، وسيتمكن المستفيدون من الاستغناء عن شحن الأجهزة الكهربائية الصغيرة بالتيار الكهربائي والاستعاضة بالأمواج الصوتية لإتمام عملية الشحن”، لافتة إلى قدرته على تشغيل وتحريك أدوات بسيطة كألعاب الأطفال بمجرد صراخ الأطفال بالقرب منها.

وبالعودة إلى إكتشاف ظاهرة الكهرباء الإنضغاطية، نجد أنه حصل من قبل الأخوين بيار وجاك كوري في العام 1880. وذلك من خلال خبرتهما في pyroelectricity (توليد الكهرباء بواسطة التسخين) وعلاقته بالتركيب البلوري، حيث توقعا أن يكون للضغط أيضا تأثير لتوليد الكهرباء،  وبالفعل تمكنا من إثبات ذلك على بلورة الكوارتز،  التورمالين والزبرجد وقصب السكر وطرطرات الصوديوم والبوتاسيوم.

وفي العام  1985، نجح  العالمان جون ويتلي وجي دابليو سويفت في تصميم وبناء أول جهاز صوتي حراري، مع العلم أن ثمة نوعين من المحركات الصوتية الحرارية: محرك حراري، ويحمل إسم المحرك الأساسي أحيانا، حيث يتم تحويل الحرارة إلى طاقة صوتية، فيما الثاني، هو عبارة عن مضخة حرارة أو تبريد، حيث يمكن للصوت أن يرفع من درجة الحرارة.

في المقابل طور تقنيون مادة يمكنها تحويل الصوت إلى كهرباء لاستخدامها في الهواتف الجوالة والطرقات السريعة لتوليد الطاقة. وتمكن فريق بحث في كوريا الجنوبية من تحويل أكسيد الزنك في مادة “كالامين” إلى مادة “نانومترية” تحول الموجات الصوتية إلى كهرباء.

وذكرت دراسة نشرت في صحيفة “جورنال أدفانسد ماتيريال” وفق ما نقل موقع شبكة الشروق الإلكتروني السودانية في 21 سبتمبر / ايلول 2010 أن التقنية الجديدة بتحويل الصوت إلى كهرباء ستشحن الموبايل كلما تحدث مستخدمه، الأمر الذي يديم البطارية لوقت أطول.

وتبلغ شدة المحادثة الاعتيادية حوالى 60 ديسبيل “وحدة قياس الصوت” وقد ترتفع إلى 70 ديسبيل، لكن التقنية الجديدة بحالتها الراهنة تحتاج إلى 100 ديسبيل لتحويل الصوت إلى كهرباء وفق الدراسة.

ويشير يون جونج بارك مؤلف الدراسة إلى أنه “كما هو الحال مع مكبرات الصوت التي تحول الإشارة الكهربائية إلى صوت يمكننا تحويل العملية بالعكس لتحويل الصوت إلى كهرباء”.

وقام يون جونج بارك بتوليد حقل من الأسلاك النانومترية من أكسيد الزنك، وإحاطته بالكترودين ثم أطلق أصواتاً بشدة 100 ديسبيل باتجاه الحقل ليتولد تيار كهربائي ضعيف بشدة 50 ميني فولت.

وفي سياق متصل أطلقت شركة RCA – إحدى الشركات المنتجة لتكنولوجيا الفيديو الرقمية – جهاز جديد اسمته Airenergy،  وهو جهاز يعتمد على إستخدام الكهرباء اللاسلكية الناتجة من ترددات موجات الراديو في الهواء ليشحن بها جميع أجهزة الـ USB.

وبحسب ما أورد  موقع المصري الإلكتروني في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 أنه وبعد طرح هذا الجهاز في الأسواق لن يضطر أي منا للبحث عن مصدر للطاقة لشحن الكاميرا أو الحاسوب المحمول أو حتى القارئ الألكتروني، إذ يكفي فقط أن يجلس بالقرب من مصدر للموجات اللاسلكية أو WiFi.

وليس بعيدا عن كوريا، تمكنت شركة تقنية يابانية من توليد الكهرباء عن طريق الذبذبات، وهذه التقنية الجديدة ربما تمكن الطائرات في يوم من الأيام من الطيران من دون إستخدام الوقود الأحفوري !

وتعتمد تلك التقنية الجديدة، طبقا لما جاء في صحيفة (جابان تايمز) في 10 مايو / أيار 2009، على توصيل مولدات توضع تحت طبقة أسفلت الطريق السريع العابر  لجسر جوشيكي زاكورا أوهاشي الذي يسير فوق نهر أراكاوا في قلب العاصمة طوكيو، مما يعطي الطاقة لتلك المصابيح لتشع ضوئها، فذبذبات السيارات المارة فوق هذا الجسر تولد حركة بندولية في تلك المولدات مما يجعلها تتأرجح ومن ثم تولد الكهرباء.

ويشرح كوهي هياميزو مخترع تلك المولدات،  والذي يعمل الآن رئيسًا لشركة (ساوند باور) ومقرها في فوجيساوا بكاناجاوا: “إننا الآن نقوم بتطوير مولدات معدلة توفر 100% من الطاقة المطلوبة لإضاءة المصابيح فوق الجسر،  وقد تمكنا حتى اليوم من إضاءة 108 مصابيح”.

وبالنسبة لهاياميزو فإن الأمر لا يرتبط فقط بالمال والعقود التجارية، إذ يخطط كي يقدم أرضيات توليد للطاقة مصممة للمنازل في نهاية هذا العام (2009)، وستكون متاحة لتوليد الكهرباء المنزلية للمصابيح في الردهات وعلى درجات السلم، ويبدو من هذا التوجه أن منازل المستقبل ستكون أكثر صداقة للبيئة عن طريق توليد الكهرباء من تلك الأرضيات المولدة للطاقة.

ونخلص إلى القول إن أهمية الطاقة المتجددة تزداد عند الحديث عن المستقبل، إذ يمثل الاستثمار فيها بعدا اقتصاديا وصحيا صديقا للبيئة. وتسعى بعض الدول إلى ضمان مستقبل أبنائها من خلال السعي إلى توفير بدائل للطاقة تضمن لهم العيش الكريم والمستدام. ولم يعد الاستثمار في الطاقة المتجددة عالميا، رفاهية أو ترفا، بل أصبح حاجة لابد منها اقتصاديا وبيئيا. لا سيما في التوجه الحاصل حيالها من قبل الأبحاث العلمية، فالطاقة الأحفورية المهددة  بالنضوب خلال 100 عام على الاكثر، يقابلها طلب متزايد على الطاقة عالمياً.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى