من القلب

رسول الانسانية،حبيب الفقراء

ألو! صديقتي جاكلين، قررت السفر إلى لبنان، هل لكِ بمساعدتي؟

أهلًا محمود تفضل ما الموضوع؟

أريد تقديم هدايا مادّية لعائلات تفتقد معاني العيد علّنا نساهم بإدخال الفرحة إلى قلوبهم في هذه الفترة المباركة والعصيبة التي يمر بها أهلنا في لبنان.

لحظات مرت استنجدتني ذاكرتي العودة إلى أرض الواقع، فشريط الصراع على الحياة مرّ سريعًا أمام عينيّ وسؤال محمود لمّا يزل يصارع باستهجان حقيقة الطرح الذي اعتبرته اندفاعًا مقرونًا بالأنا المستترة في الوقت الراهن.

وساد السكون، فبالنسبة لي، ومن خلال مواكبتي لكل أنواع المساعدات المطروحة منذ انفجار المرفأ وما قبله بكثير، المشهد واحد، جمعيات، مؤسسات، و…. تقرّر ما على الفقير المنكوب أن يأكل وما ترتأيه هي من احتياجاته، وفي ما كنت في غمرة تساؤلاتي عن قدرة محمود على تحقيق ما كنت أنادي به مذ تعاطيت مع هذا الملف ودعوتي لتقديم المساعدة التي يحتاجها شريكي في المواطنة لا ما تفرضه رغبات المانحين بالأوفر كلفة – إذا جاز التعبير- أعاد صوت محمود إلى الهاتف حرارته المسلوبة بتكرار السؤال ألو، جاكلين، أتودّين مساعدتي؟؟؟

بكل تأكيد يا صديقي، فأنا على مسافة واحدة من كثيرين ممن حرمتهم ظروف بلادنا من أدنى مقومات الحياة ولكن….

عزيزتي لا أريد صورًا، لا أريد إعلامًا يرافقني، لا أريد إطلالات تشيد “بإنجازاتي”، فنحن مجموعة من لبنانيي كندا جمعنا المال للمساعدة وهدفنا إسعاد الناس لا إذلالهم، بهذه العبارات بادرني دون أن أسأل أو حتى يترك لي فرصة التساؤل، فآمنت برسالته وأترابه من أبناء لبناننا الجريح ذوي الأيادي البيضاء وحضّرنا للمهمة شبه المستحيلة وانطلقنا هو من لبنان وأنا من كندا وثالثنا تعاضد وتكافل لمساعدة المحتاج.

لائحة فسيفسائية لأسماء تربّعت بمذاهبها وتعدّد انتماءاتها كانت رفيقة المنتشر الزائر لبلاده كبداية لرحلة مساعداته الإنسانية، فحملها بمحبة مجبولة بصمت وإيمان ضامّا إليها أسماء جمعيات حرمتها “لا تبعيّاتها واستقلاليتها” من رسم معنى آخر من معاني الحياة لمن حُرموا من أدنى سبل عيشها، وبعض عناوين عائلات خزلها إحراج كراماتها من مدّ اليد “لتحويجة” تقي جوع بطونهم الفارغة و……وعمل.

عمل بلهفة الموعود للقاء أحبّة غابوا، عمل بسرية الباحثين عن الأحياء أحياء، وزّع الأموال بيده اليسرى دون أن يكون لليمنى دراية بما يفعل.

وفي خضم لهفة التعاطف المنحوتة بالحب، كنت أتابع، وبخوف العارف بخبايا بلادنا، ما يريده صديقي العطوف، فكنت رفيقة هاتفه من بلاد الحياة كندا، وكان خادم الإنسانية في بلاد “الموت الرحيم”، لبنان، أتابع معه، نرسم الطرقات، نناقش الحالات، ومع من اختارهم من أصدقاء وأقارب كان يسارع لتلبية الحاجات وكانت الكورونا على قاب قوسين وأدنى منه، فتحدّاها بشطارة علاء الدين وقوة ودهاء روبن هود بإتباع كل أساليب الوقاية المفروضة فتحققت الرسالة التي لأجلها تخلى عن رغد عيشه، بعنوان واحد وصريح “نعم نستطيع، فالمال وسيلة للحياة والعطاء نعمة لا حاجة لها للتصوير ولا منّة لواهبها مقابل عطاءات الله التي لا تنتهي”.

نُفّذت المهمة صديقتي جاكلين وها أنا أعود إلى عائلتي على أمل العودة بمشروع أكبر.

هنيئًا لبلادنا بأمثالك محمود مرّة وهنيئًا لكرامة شعب أنت اخترت صون معانيها، وإلى موعد آخر معك نحدّده سوية بإذن الله.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى