إلهي استودعتك أمي، أرجوك، إعتني بها فهي من عليائك ملاكي
صباح الخير يا أمي، صباح البركة والحب والإيمان والأمان
أسدل الليل ستاره ومعه انتهت احتفالات عيد الأمهات لأكمل وحدي وعلى مدار الأيام والسنوات أحتفل بك ولك يا ملكة الملكات وألطف وأجمل الجميلات.
اسمحي لي يا أمي أن أعترف لك اليوم أنني أعشق الكذب لأجلك وان كنت أكرهه لانه ليس من شيم مدرستك ولا من أصول مبادئ تربيتك ،لكنه تفصيل حكيم ونحن نعشق الحكماء.
نعم، أمي كاذبة، لطالما كذبت علينا ولطالما أحبَبْتُ لا بل استسلمت لتلك الاكاذيب المتراكمة عبر السنوات وبعد،…. وبعد لحين أن فهمت لم كانت تتقن هذا الفن بهذا الرقي والاحساس.
كانت تكذب لأننا بها وحدها نؤمن، ويوم تقول أن قسوة الرصاص وعنجهيّة الشظايا المتطايرة لن تصيبنا بأي أذى، وأنها هي، نعم هي، لن تموت، كنّا نصدّق وننعم بغفوة تملأ القلب والعينين، في ما هي ساهرة ومع أبي، لعلّها، بجسدها الطاهر تحمينا نحن “صيصانها الصغار “كما كان يحلو لها التوصيف ،من ذيول حقد حرب قاتل غدّار.
نعم، أمي ماهرة بالكذب، وكيف لا، وكنا نطالبها مشاركتنا الطعام، فتختلق التبريرات وتلتمس عذر التخمة لنتلهّى نحن بالغذاء أو حتى بالعشاء، ولمّا يطمئن بالها من احتكام بطوننا لشبع وما بعده راحة وللنوم استسلام، كانت تأكل وأبي على أمل أن يمنّ عليهما الله بفترة هدوء ما بعد عاصفة نيران هوجاء يستطيع فيها أحدهما تأمين ما يلزم لبيتنا من حاجيات.
نعم يا أمي، ما أجمل كذبك وما ألطفه وسط الكمّ الهائل من الحجج وآلاف الآلاف من المسوغات، وما أغلى مشهد مقاومتك لآلامك حين كنت تتفوّقين بإخفائه عنّا مقابل “لف سندويشة” لأحدنا أو غسل ملابسنا أو العناية بهندامنا ونحن، ونحن وعلى جهلنا وبراءة طفولتنا الرعناء، نأبى أن تمرض غاليتنا، وكم كنّا نستمتع بلذّة نهوضك من الفراش وكأننا ربحنا معركة أنت دائمًا وأبدًا بطلتها المقاومة في السرّاء والضرّاء.
نعم يا أمي، كمثلك تكذب كل الأمهات، وكمثلي يعشقهنّ كل الأبناء، كيف لا وأنا أعي أنك الكل والكل أنت، إنك الحياة والحياة أنت.
ففي الفرح يا أمي، وفي الحزن دخيلك يا أمي، في الوجع آه يا أمي وفي الأسرار عبّ أمي وفي الإنكسار حضن أمي ثم أمي ولآخر يوم من عمري..
أمي، يا أميرة الأميرات وصديقة الورد والفراشات، ما عساي أقول لكِ اليوم،
أحبّكِ لا تكفي، فأنتِ يا كل الكل، الحب الصافي في عيون أخوتي وعائلتي الأحباء،
أشتاقكِ أيضًا لا تكفي فأنت يا نسمتي الرقيقة، الشوق الدائم لرائحة عطرهم وتنهّدات أنفاسهم التي تعطيني الدفع الصادق للهناء،
أحتاجكِ أيضًا وأيضًا لا تكفي، فأنتِ يا قوتي، الإرادة الدائمة المزروعة في داخلي تدفعني دومًا وأبدًا للإبتسام واللاستسلام كل مرة أنصت فيها إلى دقّات قلوبهم التي فيها منكِ كل الدماء.
وما عساي أقول يا أمي!
أفتقدكِ، أفتقد فنجان القهوة على وقع تواطؤ ضحكاتنا وأنتِ تخفّفين عنّي عبء الحياة وعثراتها اللعينة التي لا تطاق
أفتقد صحن “مجدّرة” من يديك كنت أستمتع بطعمه وكأنه لبن عصفور لا مثيل له بين موائد الأغنياء
أفتقد تلك الكنزة الزرقاء تتمايلين بها لكأنها بخيطانها الصوفية تنافس فراء وجلود معالم الأثرياء
أفتقد رائحة شعركِ الأسود تمشّطينه بلطف كل صباح وفي المساء
أفتقد انتظاركِ أخوتي على شرفة منزلنا الوالدي مع كل موعد من مواعيد الأياب
أفتقد رائحة عطرك يغلغل في أعماقي وأنا على مخدة قلبك من كل تعب أستريح
وأفتقد وأفتقد، وأفتقد عمر حظيت عيش بعض سنينه مع ملاك بشري هو اليوم في عليائه يراقب ويتابع ويحمي ويرشد إلى الحق والخير والجمال
أمي الكلمات عنكِ تطول وتطول، والحديث عنكِ لا ينتهي، سأعايدك وككل مرة وعلى طريقتي سأوكل الله العناية بك وهل أفضل منه بمن نستعين؟
“ماما أحبكِ “ولا كلام أبلغ عندي من هذا الكلام.