صحة

ثلاثة أطباء يشعلون مواقع التواصل الاجتماعي حول عقار رخيص يحدّ من عوارض كورونا

كتب سامي خليفة

تضج وسائل التواصل الاجتماع عالمياً بأخبارٍ عن نجاعة عقار مضاد للطفيليات يُدعى”الإيفرمكتين”، في الحد من شدة عوارض فيروس كوفيد-19، وسط دعواتٍ لشرائه من السوق السوداء وتخزينه. والحال أن هذا العقار الذي طُرح للاختبار منذ بداية تفشي الجائحة العام الماضي، عاد ليخطف الأضواء بعد أن نشر “تحالف الخط الأمامي للعناية المركزة”، الذي يقوده ثلاثة أطباء بارزين، وهم بول ماريك وبيار كوري وأندرو هيل، على موقعهم الإلكتروني، مراجعتهم الخاصة حول هذا العقار.

عقارٌ فعال؟

عقد الأطباء الثلاثة الذين يقودون التحالف مؤتمراً صحفياً في أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2020 حول”الإيفرمكتين”، وأدلى أحدهم بشهادته في جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأميركي حول العلاجات المبكرة لـفيروس كورونا المستجد. وهم يؤكدون اليوم أن هذا العقار يحتوي على مزيج خاص من الخصائص المضادة للفيروسات والمضادة للالتهابات التي تجعله مفيداً بشكل وقائي لعلاج المرض في المراحل المبكرة والمتأخرة.

ولا يرى أعضاء التحالف، ومعظمهم من أطباء الرعاية الحرجة، حاجة إلى مزيد من البيانات حول فعالية هذا العقار، ويجادلون بأنه سيكون من غير الأخلاقي إعطاء الدواء الوهمي للمرضى بالنظر إلى سلامة “الإيفرمكتين” الراسخة. وهذا ما تسبب حكمًا بإثارة حفيظة آخرين من العاملين في المجال الطبي.

بروتوكولات جديدة

 تم تشكيل “تحالف الخط الأمامي للعناية المركزة”، في مارس/ أذار 2020، في الولايات المتحدة الأميركية، بهدق التوصل لعلاج فعال يحد من وطأة الجائحة. ويقوم بول ماريك الذي يقود التحالف، وهو رئيس قسم طب الرئة والرعاية الحرجة في كلية “إيسترن فيرجينيا” الطبية في نورفولك، بتحديث البروتوكولات الطبية مع التركيز على العلاج المبكر.

لذلك نشأ بروتوكول I-MASK + الخاص بالتحالف، والذي يركز على “الإيفرمكتين”، ولكنه يتضمن أيضًا فيتامينات سي ودي، والكيرسيتين، والزنك، والميلاتونين للوقاية، وإضافة الأسبرين؛ كما تؤكد المجموعة على ارتداء الأقنعة وغيرها من تدابير الصحة العامة لمنع انتقال الفيروس.

تجارب استند إليها الأطباء الثلاثة

فيما يتعلق بالإيفرمكتين للوقاية، يستشهد الأطباء الثلاثة بأربع تجارب معاشاة وثلاث دراسات قائمة على الملاحظة. تم إجراء اثنتين من التجارب المعاشاة في مصر، وواحدة في الأرجنتين، وواحدة في بنغلاديش، ويتراوح حجمها من 100 إلى 300 مريض. كما استشهد ماريك وزملاؤه “بتجارب طبيعية” في بيرو والبرازيل وباراغواي حيث تم توزيع “الإيفرمكتين” على نطاق واسع، مع “انخفاض كبير في عدد الحالات … بعد بدء التوزيع بفترة وجيزة”.

بالنسبة لفعالية “الإيفرمكتين” في حالات المرض الخفيف، يستشهد الأطباء بخمس تجارب معشاة: اثنتان في بنغلاديش وواحدة في كل من العراق والبرازيل وإسبانيا، يتراوح حجمها من 24 مريضًا (إسبانيا) إلى 722 مريضًا (البرازيل). أما بالنسبة لاستخدام “الإيفرمكتين” في المستشفيات، فيستشهدون بأربع تجارب معشاة في مصر وإيران والهند وبنغلاديش، تتراوح من 72 إلى 400 مريض. كما يستشهدون بمجموعة من الدراسات القائمة على الملاحظة وسلسلة الحالات الخفيفة والشديدة.

الدراسة الوحيدة التي أُجريت في الولايات المتحدة كانت دراسة بأثر رجعي، ونُشرت في مجلة CHEST الطبية، على 280 مريضًا في فلوريدا بإشراف الدكتورة جوليانا راجتر وزملاؤها، من مركز “بروارد هيلث” الطبي، حيث تمت مقارنة 173 مريضًا تلقوا “الإيفرمكتين” مع 107 مريضًا لم يحصلوا على العلاج. وجاء في الدراسة أن “معظم المرضى في كلا المجموعتين تلقوا أيضًا هيدروكسي كلوروكين أو أزيثروميسين أو كليهما”.

بدوره، يعلّق الدكتور بيار كوري على هذه الدراسات بالقول “إذا أراد شخص ما استبعاد تلك الدراسات … وقال إنه يريد إجراء تجربة معشاة منضبطة مع الدواء الوهمي، فهذا يمثل مشكلة بالنسبة لي. لا يمكن أن أعطي مريض تحت رعايتي الدواء الوهمي في حين أنني أدرك فعالية الإيفرمكتين”.

وأضاف ” نحن كأعضاء في التحالف نؤمن بشدة بالطب القائم على الأدلة. لكننا نختلف مع الطريقة التي يُمارس بها معظم الطب القائم على الأدلة. نعتقد أنهم منحازون جدًا نحو التجارب العشوائية المنضبطة ويرفضون تمامًا الأدلة من أي شيء سوى التجارب العشوائية. ونعتقد أن هذا ضارًا ويفقد الكثير من البيانات القيمة “.

علماء ينتقدون

 غير أن ما يطرحه الأطباء الثلاثة لقيَ الكثير من النقد حول معايير الأدلة. إذ يقول ستيفن جوفي، عالم أخلاقيات الطب في جامعة “بنسلفانيا”، إنه لا يعتقد أن الأطباء “يجب أن يخفضوا معايير الأدلة لمجرد كوننا في خضم الجائحة”. ويضيف “يجب أن تدافع هذه المجموعة بقوة عن تجربة عشوائية كبيرة وقابلة للتعميم إذا كانوا يؤمنون بشدة بفاعلية الإيفرمكتين. وإذا كان الأمر فعالًا في الواقع، فإن الطريقة الوحيدة لإقناع المجتمع السريري والعلمي والسماح للمرضى في جميع أنحاء العالم بالاستفادة منه هي إثبات صحة كلامهم في مثل هذه التجربة”.

وبعد أن نشر أندرو هيل، عالم الفيروسات بجامعة “ليفربول”، دراسة حديثة تشير أن عقار “إيفرمكتين” قد يحدث انفراجة في علاج مرضى كورونا الذين يعانون من أعراض خطيرة ويقلل من نسب الوفيات جراء الفيروس. راجع زين شاغلا، طبيب الأمراض المعدية في جامعة “ماكماستر” في هاميلتون، كل تجربة في دراسة هيل في سلسلة تغريدات على موقع “تويتر”. ووصف الدليل العام بأنه “درجة متدنية للغاية”، كما عبّر عن إحباطه لأن هيل نشرها على شكل فيديو على موقع “يوتيوب”.

وتابع شاغلا بالقول: “أريد أن ينجح الأمر، لكن في نفس الوقت، يبدو هذا الأمر برمته مشابهًا لتجربة هيدروكسي كلوروكوين في بداية الجائحة. لا نريد أن نخرج إلى الإعلام بعد عام لنقول إن هذا العقار لم يساعدنا “.

  أهمية التجارب السريرية

 ويبقى أن نشير في الختام أن التجارب السريرية هي مهمة شاقة. وعادةً ما تكون هناك ثلاث مراحل قبل الموافقة على الدواء من قبل هيئة تنظيمية ذات سمعة طيبة مثل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة أو وكالة الأدوية الأوروبية. وتقوم المرحلة الأولى بتقييم الآثار الجانبية والجرعة الصحيحة للعلاج على مجموعة صغيرة جدًا من الأشخاص. بينما تقوم المرحلة الثانية بتجنيد المزيد من الأشخاص مع التركيز على الفعالية.

أما تجربة المرحلة الثالثة فتكون أكبر بكثير، وتشمل عدة مئات أو حتى الآلاف من المشاركين. وعادةً ما يتم اختيار نصفهم عشوائيًا لتناول الدواء والباقي يأخذ دواءً وهميًا. وهنا نشير أنه لم يتم الإبلاغ بعد عن تجربة سريرية كبيرة من المرحلة الثالثة للإيفرمكتين. وإذا نظر المرء في التجارب التي أُجريت، يجد بضع عشرات من المشاركين. لذا، فهي ليست كبيرة بما يكفي للتوصل إلى استنتاجات نهائية.

كما نذكر أن أدوية عدة مرّت في هذا الطريق من قبل وفشلت في العقبة الأخيرة. وعلى سبيل المثال، تمت الموافقة مبدئيًا على استخدام عقار “لارتروفو”، في عام 2016، على المرضى الذين يعانون من ساركوما الأنسجة الرخوة المتقدمة ( نوعًا نادرًا من السرطان يبدأ في الأنسجة التي تربط بين بنى الجسم الأخرى وتدعّمها وتحيط بها ) بموجب برنامج الموافقة الطارئة. ومع ذلك، فقد فشل العقار في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.

وهكذا، بينما نحتاج بشكل عاجل إلى علاجات أكثر وأفضل لـلفيروس المستجد، من المهم السماح باختبار العلاجات المحتملة مثل “الإيفرمكتين” في دراسات قوية لضمان سلامة المرضى.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى