جاليات

تكريم السيدة الصدر في المركز الاسلامي اللبناني: آلت على نفسها مع فريق عملها أن يساهموا في كفكفة دموع الأيتام

أقام المركز الإسلامي اللبناني مأدبة عشاء على شرف رئيسة مؤسسات الإمام الصدر في لبنان السيدة الدكتورة رباب الصدر والوفد المرافق لها بحضور امام المركز سماحة السيد نبيل عباس وعدد من أبناء الجالية.
بعد تلاوة آيات من القرآن الكريم بلسان الحاج اكرم بحسون تحدثت السيدة رباب الصدر فشكرت سماحة السيد نبيل عباس على دعوته وتطرقت الى مسيرة مؤسسات الامام الصدر وما تقوم به في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان.

بعدها كانت الكلمة لامام المركز سماحة السيد نبيل عباس وجاء في كلمته “وسط أوضاع ضاغطة وأحداثٍ مؤلمة في مشرقنا والعالم، وسط صحراء حالكة حيث انعدم الضمير وغاب العدل وتتحكمت الغرائز والمصالح تواجهنا واحة غناء بقدوم السيدة الجليلة الدكتورة رباب الصدر شرف الدين إلينا.

أواخر الخمسينات من القرن الماضي عاد الإمام موسى الصدر إلى لبنان بعد غياب ٍ طويل، بدأ يوم حكم الجزار على جده السيد صالح شرف الدين بالموت، فسافر إلى إيران، وبعد ثلاث قرون ونصف، عاد الفرع حاملاً نسغهُ المكثف وأشواق الأصل ليتعهد منابت الفضل واشجاره الوارفة، يغدق عليها من عينيه الخضراوين وقلبه الأبيض وعقله الملون بالمعارف، أسئلة العصر وعصارات الحياة وريِّها. مات الجزار ولا أثر بعد، أما السيد صالح فقد زرع بستاناً في إيران وآخر في العراق وبقي حقل العلم والإيمان والجهاد مزدهر في لبنان بالغاً ذروة عطائه في الإمام شرف الدين، ومتحوله الغني في الإمام الصدر.

عاد الإمام إلى لبنان سمهرياً قامته أعلى من نخلة وعيناه كعيني زرقاء اليمامة تريان إلى الأبعد، وأطل ببصيرته المجلوة من موقع الشهادة على مطارح لم تكن تصل إليها بصائر الرهط من حوله، فاندهشوا أو استغربوا أو أنكروا ومنهم من حسد.

بعد الخسائر الفادحة والمخاطر التي قد تكون أفدح استشعرنا بأن المستقبل ليس على لائحة استشرافاتنا إلا بما هو إعادة واجترار للماضي لذا شرعنا في الميل إلى إنصاف مثالاتنا التي صارت وراءنا… عدنا إلى محمد اقبال ومحمد عبده والطهطاوي والأفغاني والكواكبي وخيرالدين التونسي والميرزا النائيني وغيرهم مكتشفين صوابيتهم في اكتشاف الحرية والشراكة العقلية الواسعة كشرط للنهوض ، وكشرط للمحافظة على الإسلام كمكون والعروبة كانتماء والدولة كجامع وضرورة للدين والدنيا، وفي اكتشاف أن الآخر كشرط معرفي وحياتي وايماني، والاختلاف والتعدد كسنة الهية كونية ودينامية حياة ومصدر حيوية… من هنا شرعنا في استذكارهم وكأنهم ماضينا الذي نستقبله، بشرط أن نضيف إليه معرفة وعلماً وحواراً وحداثة غير منفلتة وأصالة غير منغلقة.

ومن هؤلاء الذين يمثلون مستقبلنا في ماضينا الإمام السيد موسى الصدر والذي دفع حياته ثمناً لسعيه إلى جعل إيمانه التوحيدي متجلياً في الوحدة الوطنية اللبنانية في افقها العربي والإسلامي… ان اهتمام الإمام موسى الصدر باكتشاف مساحة المشترك بين الحضارات والأديان والمذاهب يأتي من كفاءة احرزها في العلوم الإنسانية ومن ثقافة منفتحة، جعلته يكتشف أهمية الآخر وفكر الآخر وضرورة التواصل معه تحصيناً للذات الإسلامية بالمعرفة، تطبيقاً للنص القرآني المؤسس والذي يلحظ الاختلاف والتعدد ويعتبره شرطاً من شروط التعارف والتثاقف.

باختصار لقد حاز الإمام الصدر مركزية في الحراك السياسي الشيعي المعاصر في لبنان، وذلك من خلال فرادة تجربته في هذا المضمار والتي قلما توفرت في التجارب الأخرى، لكن انغماسه السياسي ظل مواكباً بروح تقوائية، جنبته الوقوع أسيراً لذرائعية العمل السياسي القاسية وبتعضيد العقل الفقهي لديه جعلته هذه التقوائية يركز على المقاصد البعيدة للدين ووقَتْهُ من السقوط في الأيديولوجية الشمولية.

لقد كان الامام الصدر يرى الدين فضاء إنسانياً واسعاً، صوت عدالة لا يتوقف ولا يساوم وفي الوقت نفسه يحمل الحرص والشفقة على الجهة المُطَالَبة. من هنا كانت حركته مصدر قلق للكثيرين من أصحاب المواقع المتحجرة الذين ظنوا أن مواقعهم السياسية والمعنوية حق يورث.

لقد كان الإمام الصدر من أكثر الناس ازعاجاً للدولة في فترة تجاهلها للمطالب الشعبية المحقة، لكنه كان أكثر الناس حرصاً على الدولة وعلى حفظ مؤسساتها وبقائها مرجعاً تتوزع على اللبنانيين بالتساوي وفي هذا الدرس البليغ لساسة اليوم.

أيتها الأخوات أيها الأخوة نستقبل بيننا اليوم غصناً مورقاً من أغصان دوحة السيد صالح في بستانه اللبناني العاملي والتي عنت واهتمت برعاية وصناعة الإنسان كما الإمام الصدر وكيف لا والخلق عيال الله كما جاء في الحديث النبوي الشريف” وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله” قال تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

إنها سليلة آل الصدر ونسيبة آل شرف الدين إنها اقحوانة مدينة صور، هذه المدينة ذات التعدد الديني والمذهبي والسياسي والتي أعيد بناؤها في القرن السابع عشر الميلادي بعد تخريبها ابان الحملات الصليبية، والتي أسست على هندسة التعدد الشيعي السني والإسلامي المسيحي المتكامل، فبني فيها المسجد والكنيسة والسراي الحكومي والسوق معاً.

هذه السيدة الجليلة التي آلت على نفسها مع فريق عملها على أن يساهموا في كفكفة دموع الأيتام وهذا الجرح الاجتماعي الكبير فكانت ورسول الله كهاتين في الجنة.

المصدر صدى المشرق

article

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى