علوم وتكنولوجيا

توليد الطاقة الكهربائية في الفضاء… الخيال العلمي يتحول إلى حقيقة

سامي خليفة*

تحدث عالم الفيزياء الروسي كونستانتين تسيولكوفسكي، في عشرينيات القرن الماضي، عن ضرورة توليد الطاقة من الفضاء، ليلهم بنظريته تلك بعض كتّاب الخيال العلمي الذين كتبوا عن محطات طاقة شمسية عملاقة تطفو في الفضاء وتنقل كميات هائلة من الطاقة إلى الأرض. وبعد قرنٍ من الزمن، قطع العلماء خطوات واسعة في تحويل مفهوم تسيولكوفسكي إلى حقيقة. لقد أدركت وكالة الفضاء الأوروبية إمكانات هذه الجهود وتتطلع الآن إلى تمويل مثل هذه المشاريع، وتوقعت أن أول مورد صناعي سنحصل عليه من الفضاء هو “الطاقة الشعاعية الموجهة”.

الخيال أصبح حقيقة

آخر الجهود التي سمع عنها العالم لتوفير الطاقة الكهربائية من الفضاء كانت في المملكة المتحدة، إذ كُلفت الحكومة البريطانية بإجراء بحثٍ جديد في مفهوم محطات الطاقة الشمسية الفضائية كوسيلة لتلبية احتياجات الأرض المتزايدة من الطاقة. وفكرة المشروع تتلخص بأن المحطات ستلتقط طاقة الشمس التي لا تصل أبداً إلى الأرض وتستخدم بدورها أشعة الليزر لإرسال الطاقة بأمان إلى الأرض.

بتمويل من وكالة الفضاء البريطانية ووزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية، ستستكشف بريطانيا ما إذا كانت هذه التكنولوجيا يمكن أن توفر مصدراً مرناً ومستداماً للطاقة في المستقبل. وستأخذ الدراسة، التي قادتها شركة الاستشارات الهندسية والتكنولوجية “فرايزر-ناش Frazer-Nash”، في الاعتبار تكلفة هذه المحطة، وما إذا كان بإمكانها توفير طاقة أكثر بأسعار معقولة للمستهلكين والمآثر الهندسية المطلوبة.

معضلة الطاقة المتجددة

يشكل تغير المناخ التحدي الأكبر في عصرنا، فمن ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أنماط الطقس المتغيرة، أصبحت آثار تغير المناخ محسوسة بالفعل في جميع أنحاء المعمورة. وسيتطلب التغلب على هذا التحدي تغييرات جذرية في كيفية توليد الطاقة واستهلاكها.

ورغم أن تقنيات الطاقة المتجددة تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع تحسين الكفاءة وانخفاض التكلفة. بقيت العوائق الرئيسية التي تحول دون امتصاصها تتمثل بأنها لا توفر إمدادات ثابتة من الطاقة، حيث تنتج مزارع الرياح ومحطات الطاقة الشمسية الطاقة الكهربائية عندما تهب الرياح أو تشرق الشمس فحسب، في حين أننا نحتاج إلى الكهرباء على مدار الساعة. وهكذا، نحن بحاجة إلى طريقة لتخزين الطاقة على نطاق واسع قبل أن نتمكن من التحول إلى المصادر المتجددة.

الطاقة الشمسية في الفضاء

هناك طريقة محتملة للتغلب على هذه المعضلة تتمثل في توليد الطاقة الشمسية في الفضاء، خصوصاً إذا علمنا أنه يمكن لمحطة الطاقة الشمسية الفضائية أن تدور في مدار لمواجهة الشمس 24 ساعة في اليوم. وبهذه الطريقة يمتص الغلاف الجوي للأرض بعضاً من ضوء الشمس ويعكسه، وبذلك تتلقى الخلايا الشمسية الموجودة فوق الغلاف الجوي المزيد من ضوء الشمس وتنتج المزيد من الطاقة.

لكن التحدي الرئيس الذي يجب التغلب عليه يكمن بكيفية تجميع وإطلاق ونشر مثل هذه الهياكل الكبيرة. لا سيما أن مساحة محطة الطاقة الشمسية الواحدة يمكن أن تكون بمعدل 10 كيلومترات مربعة، أي ما يعادل 1400 ملعب كرة قدم. لذا سيكون استخدام مواد خفيفة الوزن أمراً بالغ الأهمية، حيث ستنحصر التكلفة الأكبر بتكلفة إطلاق المحطة في الفضاء على صاروخ.

يتمثل أحد الحلول المقترحة من قبل العلماء في تطوير سرب من آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة التي ستجتمع معاً لتكوين مولد شمسي واحد كبير. في عام 2017، حدد الباحثون في “معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا” تصميمات لمحطة طاقة معيارية تتكون من آلاف بلاطات الخلايا الشمسية خفيفة الوزن. وأظهروا أيضاً نموذجاً أولياً للبلاط يبلغ وزنه 280 غراماً فحسب لكل متر مربع، على غرار وزن البطاقة.

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت جامعة “ليفربول”، عن استكشاف تقنيات تصنيع جديدة لطباعة خلايا شمسية خفيفة الوزن على أشرعة شمسية. ويُعد الشراع الشمسي غشاء قابل للطي وخفيف الوزن وعاكس للإشعاع قادر على تسخير تأثير ضغط إشعاع الشمس لدفع مركبة فضائية إلى الأمام بدون وقود. وتعمل الجامعة البريطانية على كيفية تضمين الخلايا الشمسية في هياكل الشراع الشمسية لإنشاء محطات طاقة شمسية كبيرة خالية من الوقود.

ستمكن هذه الأساليب العلماء من بناء محطات الطاقة في الفضاء. وقد يكون من الممكن يوماً ما تصنيع ونشر وحدات في الفضاء من محطة الفضاء الدولية أو محطة البوابة القمرية المستقبلية التي ستدور حول القمر. كما يمكن لمثل هذه الأجهزة في الواقع أن تساعد في توفير الطاقة على القمر.

نقل الطاقة إلى الأرض

الاحتمالات لا تنتهي عند هذا الحد. فبينما نعتمد حالياً على مواد من الأرض لبناء محطات طاقة، يفكر العلماء أيضاً في استخدام موارد من الفضاء للتصنيع، مثل المواد الموجودة على القمر.

أما التحدي الرئيس الآخر فيتجسد بإعادة نقل الطاقة إلى الأرض. وهنا، يتحدث العلماء عن خطة تحويل الكهرباء من الخلايا الشمسية إلى موجات طاقة واستخدام الحقول الكهرومغناطيسية لنقلها إلى هوائي على سطح الأرض، ليقوم الهوائي بعد ذلك بتحويل الموجات إلى كهرباء. ولقد طور باحثون بقيادة وكالة “استكشاف الفضاء اليابانية” بالفعل تصميمات مشابهة وأظهروا نظاماً للمركبة المدارية يقوم بما سَبق ذكره.

ومع ذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في هذا المجال، لبلوغ الهدف بأن تصبح محطات الطاقة الشمسية في الفضاء حقيقة واقعة في العقود القادمة. ونذكر في السياق، أن باحثون في الصين صمموا في إطار عملهم على محطة طاقة مدارية تلتقط الطاقة الشمسية في الفضاء وتعيد توجيهها إلى الأرض، نظاماً يُسمى “أوميغا”، يهدفون إلى تشغيله بحلول عام 2050. يجب أن يكون قادراً على تزويد شبكة الأرض بقدرة 2 جيجاوات بأقصى أداء. ولإنتاج هذا القدر من الطاقة باستخدام الألواح الشمسية على الأرض، سيحتاجون إلى أكثر من ستة ملايين منها.

إذا سار الإطلاق بشكلٍ جيد، وعملت الأشعة الناقلة للطاقة كما هو مفترض، يخطط العلماء الصينيون في ضواحي مدينة “تشونغتشينغ”، التي تُعد أكبر مركز صناعي وتجاري في منطقة جنوب الصين الغربي، لتجربة وإطلاق منشآت أكبر وأقوى حتى عام 2050. ونشير في الختام أنه بينما يكرس المجتمع العلمي الوقت والجهد لتطوير محطات الطاقة الشمسية في الفضاء. نأمل أن تكون يوماً ما أداة حيوية في كفاحنا ضد تغير المناخ.

  • باحث وإعلامي من لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى