جاليات

طوني جحا للزحليين: ابواب النادي مفتوحة لكل عضوية جديدة وحضورنا اليوم لهو دليل واضح على تمسكنا ببعضنا وبهويتنا

عقد نادي زحلة مونتريال ولمناسبة زمن الصوم الكبير لقاء روحياَ حمل عنوان “الاب المكرم بشارة ابو مراد ماذا أعطته مدينته زحلة وماذا اعطاها” مع راعي ابرشية كندا للروم الملكيين الكاثوليك سيادة المطران ميلاد الجاويش وذلك في كاتدرائية المخلص -مونتريال حضره  الأرشمندريت أنطوان ديب رئيس عام الرهبانيّة المخلّصيّة، الارشمندريت ربيع ابو زغيب، الرئيس السابق للنادي فارس ابرص، الاعضاء وحشد من ابناء الجالية اللبنانية عموما والزحلية خصوصا.

بداية كلمة ترحيبية للسكرتير العام لنادي زحلة ايلي سكاف رحب فيها بالحضور متحدثا عن ماهية النادي واهميته موجها الدعوة للجميع للعمل ومد الايادي لمساندة العائلات والجمعيات في بلادنا سواء في كندا ام في لبنان، كما الانتساب الى النادي المفتوحة ابوابه لكل عضو يرغب بالانضمام الى صفوفه.

جحا

ثم كانت كلمة لرئيس نادي زحلة طوني جحا اعرب فيها عن سعادته بهذا اللقاء الذي جاء بعد فترة جمود فرضتها جائحة كورونا لاسيما وانه روحي بامتياز فيه من الايمان والصلاة ما يدعّم قلوبنا بالمعنى الحقيقي وجوهر عيد الفصح المجيد،العيد الذي فسّره لنا المكرم بشارة ابو مراد على طريقته الخاصة بالقول كما بالفعل.

وأضاف: “بداية لا بد لي في هذا اللقاء الجميل من الترحيب بكم فردا فردا، يسعدنا ان نعلمكم عن تأسيس لجنة ادارية جديدة من أصحاب الكفاءات والافكار والنشاط وهم زملائي في اللجنة الادارية الحالية من ابناء زحلة الحبيبة الذين نفتخر بهم، وطبعا دون ان ننسى اعضاء اللجنة التأسيسية الذين يعود لهم الفضل الاكبر بوصول النادي الى ما هو عليه اليوم، هذا النادي المدرج في قائمة المؤسسات كمؤسسة خيرية مرخصة من Revenu Canada معلنا اسماء المؤسسين: جوزف سكاف، ايلي مسلم، جورج جحا، انطوان والياس معلوف، مارون خزاقة، بيار الفرن، السيدة مهى معلوف قاصوف والمستشارين جورج حمصي، والدكتور هيكل الراعي.

وتابع يقول: “حضوركم هذا اللقاء لهو دليل واضح على تمسكنا ببعضنا وبهويتنا فنحن ننتمي الى تاريخ جذوره مغروسة بأرض القداسة والايمان، لبنان سيبقى موطن القديسين، ولا نرضى باقل من هذا رغم فساد السياسيين، وزحلة هي مدينة الصلاة والكنائس والعجائب، وانشاءالله قريباً ستكون على خريطة القداسة.

يعلم الجميع ان نادي زحلة -مونتريال -ومنذ تاسيسه وانطلاقته من هذا الصرح بمباركة سيدنا ابراهيم ابراهيم الذي حمل في قلبه محبة خاصة لمدينة زحلة وأهلها هو الذي لطالما وقف الى جانبهم وناضل معهم في اصعب الظروف، ما نعتبره اليوم فرصة رائعة لهم ان يكون معهم في هذه الظروف الصعبة لاننا نعلم جيدا امكاناته الواسعة وحسن رعايته وتدبيره لأصعب الملفات والظروف، يكمل الطريق وبنفس الاندفاع والمحبة والتعلق بهذه المدينة واهلها والذي لما يزل في احسن حالاته وقد توّج اليوم بنعمة الهية تجلت بوجود سيدنا ميلاد الجاويش راعي ابرشيتنا الكريمة، باعث الايمان وجامع شمل ابناء رعيته على المحبة والصلاة والذي نكنّ له كل الحب وكل الاحنرام.

وبعد ان نوّه بالموهبة اللبنانية الزحلية نجمة برنامج La Voix Quebec كريستا ماريا وليد ابو عقل ابنة المعلقة، داعيا الجميع للتصويت لها في حلقة العروض المباشرة التي ستجري يوم الاحد المقبل عرض جحا للانجازات التي قام  بها نادي زحلة  خلال فترة الحجر الصحي وهي:

– شارك نادي زحلة مونتريال مع نادي روتاري زحلة بتجهيز مستشفى الياس الهراوي الحكومي وتزويده بجهاز تنفس بتقنية عالية جدا بكلفة ٦٠ الف دولار لمرضى الوباء.

– ساهم النادي وضمن الحملة التي نظمها ابناء  البلدة بمبلغ ١٤٠٠٠ دولار  بعيد انفجار مرفأ بيروت بترميم واجهة احد المباني المتضررة في الاشرفية.

– عمل النادي وبالتعاون مع حركة شباب الشرق على تأمين الادوية وعلى مدى تسعة اشهر متواصلة لما يتراوح ما بين ٦٠ الى ٧٠ عائلة من العائلات الزحلية.

– توزيع هدايا والعاب على ١٢٥ طفلا خلال سهرة عيد الميلاد في كنيسة مار الياس المخلصية.

– قام النادي بتقديم دعم مادي لجوقة مار الياس المخلصية التي تعتبر من اهم الجوقات في لبنان، كما عمل على تسويق حوالي ١٠٠ كتاب لسيدات زحلية يقمن في باريس، ذهبت اموالهم للمساهمة في اعمال خيرية.

– دعم النادي مدرسة يسوع الملك ومدرسة مار يوسف الانطونية بمبلغ عشرة آلاف دولار اميركي مناصفة فيما بينهما.
– اطلق النادي مشروع تبني ٨٦ تلميذا من ٧ مدارس في زحلة في العام الماضي ساهم من خلاله بتأمين الاقساط والقرطاسية للاطفال وهو يعمل حاليا على تقديم منح مدرسية لحوالي ٣٠ تلميذا يتيما، في المدارس الآنفة الذكر.

– تأهيل واصلاح سيارة “الجيب” الوحيدة التابعة للدفاع المدني في زحلة والتي عملت على انقاذ اربعة اشخاص تعرضوا لحادث على طريق ترشيش بعد اول يوم من اعادتها للسير.

هذا في لبنان اما في مونتريال فلم يتوقف نادي زحلة عن دعم جمعية سان فانسان دوبول في لافال ومستشفى سان جوستين مونتريال.

وختم جحا مؤكدا ادراج هذا اللقاء على جدول نشاطات النادي في فترة الصوم المبارك من كل عام، مرحبا بكل من يود ان يكون أحد أعضاء الجمعية العمومية، فزحلة تجمع ولا تفرق.

سيادة المطران الجاويش

وفي كلمته اعرب الجاويش عن سعادته بهذا اللقاء ومما قاله: “انا سعيد جدا لاني اشعر بانتمائي الزحلي مرتين، مرة لاني بقاعي الولادة واخرى بسبب انتمائي الى رهبانية دير المخلص ذات العلاقة الوثيقة مع زحلة، هذه الرهبانية التي اعطت 59 راهبا احدهم أبونا بشارة ابو مراد، وفي تاريخنا تربينا على زحلة وعلى عراقتها واصالتها، مضيفا ان هذا اللقاء لن يكون الاخير انما هو الاول من ضمن سلسلة من اللقاءات التي ستجمعنا على مواضيع روحانية متعددة.

وأضاف متحدثا عن علاقة ابونا بشارة مع مدينة زحلة مقسما مداخلته الى ثلاث نقاط اساسية تمحورت حول:

1- الواقع الاجتماعيّ والدينيّ في زحلة في القرن التاسع عشر

 زحلة في القرن التاسع عشر: “لم يكن عدد سكّان زحلة يتجاوز العشرة ألاف نسمة ، تمتاز على سواها، في الدين والدنيا، بأمور كثيرة، أخصّها بأسُ رجالها وشجاعتُهم، واتّحاد كلمتهم، وخضوع الصغير منهم للكبير، والشابّ للشيخ” (باشا، ص 1).

مركز تجاريّ مهمّ: بيع محاصيل البقاع في كافّة أرجاء لبنان. شراء البضائع من سوريّة وبرّ الأناضول وبيعها في الجبل والساحل اللبنانيّ وصولًا إلى صفد ونابلس والجليل، وبالأخصّ تجارة المواشي (باشا، ص 1). هذا يعني أنّ زحلة لم تكن يومًا جزيرة معزولة عن محيطها اللبنانيّ، والعربيّ أيضًا. موقعها الجغرافيّ حتّم عليها أن تكون جسر عبور وَصِلة وَصل.

أهلُها: غالبيّة أهلها روم كاثوليك، أقلّيّة من الروم الأرثوذكس، وأقلّ منهم الموارنة، وأقلّ من الجميع المسلمون، بحيث لا يشكّل هؤلاء مجموعون سوى عشرة بالمئة من الروم الكاثوليك. إضافة إلى كاتدرائيّة سيّدة النجاة، كانت هناك 12 كنيسة روم كاثوليك، كنيسة واحدة للروم، وكنيستان للموارنة، ودير للآباء اليسوعيّين. لم يكن في لبنان مجلس بلديّ إلّا في زحلة، مؤلّف من شيوخ العائلات الكبيرة: 6 كاثوليك، 2 للروم والموارنة. “ولهذا كان النصرانيّ يسير في زحلة رافعًا رأسه، آمنًا على نفسه من ظلم الحكّام وتعدّي الطغاة، الذي كان يُقاسيه النصارى في كلّ مدن الشام. ولذلك كان كثيرون يأتون إلى زحلة من كلّ صوب ويعتصمون بها. وكان الدخيل أو النزيل فيها، والحالةُ هذه، يُضطرّه الصواب وخيرُ نفسه أن يدخلَ في طائفة الروم الكاثوليك، ويكونَ في ذمّة أهلها آمنًا مطمئنًّا، كأنّه أصيل في البلد” (باشا، ص 2).

أهلها ذوو نخوة وإكرام لكلّ ضيف أو نزيل، لذلك كَثُر الذين لجأوا إليها هربًا من ظلم واضطهاد، وصاروا من أهلها. لذلك أوّل ما عاد اليسوعيّون إلى لبنان في أربعينيّات القرن التاسع عشر، كانت إقامتهم في المعلّقة في زحلة .

اشتُهر الزحليّون بتقواهم الشديدة ودفاعهم عن إيمانهم وشرفهم. لديهم عبادة خاصّة لوالدة الإله والقربان المقدّس: “ولم يكن يجري زياح حافل بالقربان الطاهر خارج الكنيسة إلّا في زحلة، كما لم يزل هذا جاريًا إلى اليوم. إلّا أنّه كان يتمّ بأكثر تقوى وخشوع وهدوء، من دون ضوضاء ولا تشويش” (باشا، ص 3). احتفظ الأب بشارة بولعه هذا “الزحليّ” تجاه القربان المقدّس، هو الذي قضى حياته كلّها ساجدًا متعبّدًا للقربان المقدّس في الصمت والخشوع. كان “قربانيّ” الطبع حتّى العضم، وربمّا هنا يكمن سرّ قداسته الأعظم. لكن ما أخذه من زحلة من عشق القربان المقدّس لم يُبقِه عند حدود التقوى السطحيّة أو الفلكلور الدينيّ، بل طوّره بالنعمة وعمّقه بالصمت. أظنّ أنّه لو أُتيح للأب بشارة أن يحضر اليوم زياحات القربان في مدينته، لحزن وشعر أنّه “غريب في أورشليم”. أبونا بشارة يعلّم زحلة اليوم أنّ إيمان أهلها، وإن حوى شيئًا من التقوى الشعبيّة، عليه أن يتعمّق حتّى يصيرَ حياةً في المسيح، وإلّا سيبقى صنجًا يرنّ ونحاسًا يطنّ.

2-حوادث سنة 1860

كان ذلك يوم الاثنين 18 حزيران (حساب شرقيّ) سنة 1860. يقول الأب باشا: “ولمّا شاع خبرُ حريقها سنة 1860 وبلغ بيروت، اضطربت المدينة أيّ اضطراب، حتّى قناصل الدول الكبار، واضطرب معها كلّ لبنان حتّى قلب كسروان. ولمّا بلغ هذا الخبر دمشق، سقطت نفوس النصارى فيها، وزيّن المسلمون الأسواق، وصار الشبّان منهم بفرح وعيد عامّ، يتغنَّون بمثل هذه الأغاني:

يا بطرس خبّر نخلة                   والدروز حرقت زحلة

هات راسك يا نصرانيّ               واحسبها قرصة نحلة” (ص 5)

ذكريات ذلك اليوم: كان عمر سليم آنذاك ستّ سنوات، لا يذكر من تلك السنوات إلّا أنّه تهجّر هو ووالده ووالدته وإخوته إلى بسكنتا. وبعد أن عاد أبوه في اليوم الثاني إلى زحلة، انتقلت أمّه بهم إلى بيروت، إلى بيت نعمان يونس أحد أقارب العائلة. ولمّا اهتاج الوضع أيضًا في بيروت وكثرت اعتداءات المسلمين على النصارى، فرّت بهم صابات إلى كسروان حتّى وصلوا إلى نهر الكلب. من ذكريات أخته سعدى عن تلك الليلة: “لم تجد أليصابات المسكينة سبيلًا إلى النجاة بأولادها إلّا الفرار من بيروت إلى كسروان. فسارت بهم على أثر القوم الهاربين من بيروت، وكلّ منهم مشغول بأمر نفسه وذويه عن سواه. حتّى أفضى بهم السير إلى مضيق نهر الكلب. وقد أعياها وأولادَها التعب والحرّ والجوع، مع ما تولّاها من الخوف على نفسها وعليهم، بانقطاعها في هذا المكان عن كلّ مساعدة. فأقعدها هذا الأمر عن السير، وجلست على قارعة الطريق، تبكي وتندب سوء حالها وحال أولادها، حتّى صاروا يبكون لبكائها وكان الوقت قد بلغ المساء، وكادت الشمس تغيب، ويعقبها ظلام الليل” (باشا، ص 12-13). سكنوا في ذوق مكايل مدّة شهرين، بعد أن أعانهم الياس القادري ابن أخت الوالد جبّور. عادوا في شهر آب ليجدوا بيتهم محروقًا، فعاودوا بناء غرفة لإيوائهم بعونة الجيران والأقارب. الملفت في الأمر أنّه لم يُقتَل من أهل زحلة في تلك “الطوشة”، بحسب ما يسرد الرواة، إلّا حوالي مئة نفر، أي ربع ما كبّدوا المهاجمين من خسائر. ولم تمرّ سنتان حتّى أعاد أهل زحلة بناء مدينتهم أجمل ممّا كانت عليه عن طريق العونة والاتّحاد. بعد النكبة، زادت نسبة التقوى في المدينة وارتاد الناس الكنائس أكثر فأكثر ليشكروا الله على خلاصهم، منهم: عبدالله بو خاطر رجل الحرب على أيّام الأمير بشير الشهابيّ الذي كان يرتاد كنيسة مار الياس بتقوى فائقة مَهيبة تأثّر بها الأولاد والشبّان (ومنهم سليم)، ونعمان المعلوف الذي كان يقول للدروز بعزّة نفس قبل النكبة: “لو وقع خسف من السماء ارقعته بجزمتي” (باشا، ص 14-15).

أثر هذه الحوادث في نفسه: ولأنّ الأب بشارة اختبر الألم والحرب والجوع وهو صغير، فقد شبّ لاحقًا على حبّه الشديد للفقراء والمشرّدين وحنوّه عليهم، خصوصًا في أثناء الحرب العالميّة الأولى وخلال المجاعة التي رافقتها. غير أنّ هذه الفضيلة لم يمارسها باسم هويّته الزحليّة، بل باسم الإنجيل الذي يبقى وحده محرّك الأب بشارة الأوّل. والدليل هو أنّه لم يتقوقع في شرنقة حقده على من تسبّبوا بتهجيره وحرق بيته، ولا اجترّ ذكريات الحرب المرّة إلى ما لا نهاية، بل تخطّى كلّ ذلك وصار، لما عُيّن في دير القمر والودايا، حبيبَ الدروز الأوّل، يحبّونه ويحترمونه ما إن يطلّ عليهم. الإنسان لا يقدر أن يتخطّى هذا كلّه من دون نعمة الإنجيل.

3-عائلة سليم جبّور أبو مراد

 فروع عائلة جبّور: كانت عائلة سليم جبّور أبو مراد عالمه الصغير الذي منه التقط الصورة الأولى للمجتمع الإنسانيّ. بيت أبو مراد فرع من عائلة جبّور أو رزق جبّور. يُنسب إلى هذه العائلة أيضًا بيوتات عديدة: أبو خالد، أبو طعّان، عاصي، يونس، قسّيس، أبو غانم، أبو خليل القش، شعيا، أبو عسّاف، الغاوي (باشا، ص 6).

في هذه العائلة الكثير من الرهبان والكهنة: منهم المطران بولس أبو مراد، وبولس القشّ خال الأب بشارة. الرهبانيّة المخلّصيّة وحدها أعطت زحلة 59 راهبًا. منهم الإخوة الزحالنة الأربعة الذين خرجوا من عائلة واحدة، عائلة الشامي، وهم من حي مار الياس نفسه وجيران بيته وقد عرفهم الأب بشارة وتأثّر بتقواهم وتقوى أمّهم: مكاريوس وبطرس ويوسف واكليمنضوس.

الأب والأمّ: كانت والدتُه صابات القشّ معروفة بتقواها الشديدة، وقد تأثّر بها سليم أيّما تأثّر. والدُه جبّور من عائلة متوسّطة الحال، لا غنيّة ولا فقيرة، يملك بيتًا قرب كنيسة مار الياس، ودكّانًا صغيرًا في سوق مار الياس التجاريّ، وكرومًا يعتاش من رزقها. ولشدّة نزاهته، عيّنه علي باشا، سليل أسرة مردم بك الدمشقيّة العريقة، خوليًّا وناظرًا على أرزاقه الكثيرة في زحلة والبقاع (باشا، ص 7-8).

إخوتُه: مراد (توفّاه الله بعمر 35 سنة سنة 1883، سنتين بعد زواجه من بنت دمشقيّة من بيت متري الجدّ)، سعدى (تزوّجت دعيبس القادري وهاجرت إلى الولايات المتّحدة)، سليم (وُلد سنة 1853)، مريم (ماتت وهي طفلة)، ملكة (تزوّجت جريس عواضة من زحلة. ماتت وهي تلد)، مريم (تزوّجت أحد اقاربها يوسف عبدالله، الذي سكن في بيروت وعُرف بيوسف الزحلاويّ، ماتت سنة 1922)، يوسف (مات سنة 1875 عن عمر 11 سنة)، سليمان (هاجر لاحقًا إلى الولايات المتّحدة وعمل في التجارة). يتبيّن من تواريخ وفاة إخوة أبونا بشارة وأخواته أنّ خمسة منهم على الأقلّ توفّاهم الله وهو بعدُ حَيّ: عدا أبيه وأمّه، هناك مراد، ومريم، وملكة، ومريم ويوسف. ينتمي أبونا بشارة إلى أولئك القدّيسين الصَلِبين ذوي الإيمان الصخريّ الذي لا تَلويه محنة ولا تُغريه شهوة. ربّما ترك ذلك مسحةً من الحزن على طبعه، لكن قطّ يأسًا أم كآبة. أنتم تعلمون أنّه رفض أن يحضر جنّاز أيّ أحدٍ من أهله. لم يفعل ذلك عن قلب متحجّر، هو الذي يُدرك جيّدًا أهمّيّة تعزية الحزانى فما ترك مدنفًا من أبناء رعاياه ولم يرافقه في ساعاته الأخيرة، بل لأنّه أراد أن يذهب بالوصيّة الإنجيليّة إلى تمامها: “دعِ الموتى يدفنون موتاهم، وأمّا أنتَ فامضِ وبشِّر بملكوتِ الله” (لو 9: 60). ابن زحلة هذا لم يكن رَخوَ الطباع، بل صاحبَ إيمانٍ حادّ يعرف أين يحنو وأين يتصلّب.

أيّام المدرسة: أمّه كانت معلّمته الأولى في التقوى والرزانة. ذكريات أخته سعدى: “قضى كلّ حياته لا يعرف لعبةً من لعب التسلّي المعروفة. ولم يكن في المدرسة يهتمّ بشيء سوى حفظ درسه. ولذلك بان نجاحُه من أوّل سنة، حتّى سبق كثيرين من أترابه. وكانت تظهر عليه، منذ صغره، سمات الرزانة والتعقّل والحشمة، في كلّ مكان ومع الجميع. ولم يكن على شيء من بلاطة الأولاد ودلعهم أو طيشهم، بل كان في البيت، حسب رواية أخته سعدى، هادئًا، ساكنًا، ساكتًا كأنّه غريب. فلا يعملُ شيئًا إلّا ما يُطلبُ منه. ولذلك كانت والدتُه تحنو عليه بوجه خاصّ، بخلاف والده، فإنّه كان يحبّ أخاه مراد أكثر، لما كان يُظهر من حدّة ذهنه وقوّته، مع خفّة روحه وسرعة جوابه في كلامه” (باشا، ص 16-17). مرّة أخرى تُعلّمنا حياة القدّيسين أنّ العائلة هي مصنع القداسة الأوّل، وأنّ التربية الصالحة لا بدّ من أن تُزهر يومًا ما. شاءت الظروف أن يكون الزحليّون من أكثر اللبنانيّين هجرةً إلى الخارج، لذلك مَثَلُ الأب بشارة يحثّهم جميعًا، مُقيمين ومُغتربين، على إبقاء قِيَم العيلة “الكاثوليكيّة” حاضرة في نفوس الأولاد مهما تطوّر الزمن وتغيّرت الأحوال.

المخلّصيّون: عاشر سليم الآباء المخلّصيّين الأتقياء الذين خدموا في كنيسة مار الياس: ديمتريوس قزح، ديونيسيوس الصايغ معرّفه ومعرّف العائلة. يرتاد الكنيسة ويمارس كافّة الصلوات الطقسيّة فيها. في هذا الثنائيّ المقدّس العائلة-كنيسة الحي، صُقلت تقوى الأب بشارة وفضائله الإنسانيّة الأوّليّة.

حياتُه في زحلة: قضى سليم جبّور أبو مراد حوالي 20 سنة في زحلة (1853- أيلول 1874)، ولا يُذكَر أنّه زارها بعد أن ترهّب في دير المخلّص، ولا حتّى في مناسبات الحزن العديدة التي ضربت عائلته (وفاة أمّه وأبيه وأخوته مراد وملكة ومريم ويوسف). هذا يعني أنّ شيئًا من قداسة الأب بشارة الشديدة لم يرثها من “لحم ودم”، لا من مدينته ولا حتّى من أهله وأمّه، بل هو نتيجة عمل النعمة المباشر فيه. لا يرث الإنسان ملكوت الله لأنّه سليل هذه العائلة وابن تلك المدينة، مهما علا شأن هذه وتلك، بل لأنّه سمع كلام الله وعملَ به: “لا يَخطر لكم أن تُعلِّلوا النفسَ فتَقولوا: إِنَّ أبانا هو إبراهيم”. فإنّي أقولُ لكم إنَّ اللهَ قادرٌ على أن يُخرج من هذه الحجارة أبناءً لإِبراهيم” (مت 3: 9).

خلاصة

ماذا أعطى أبونا بشارة زحلة؟ أعظم ما أعطاها هو البرهان الساطع بأنّ واحدًا “منّا” يمكن أن يكون هو أيضًا قدّيسًا. صبيّ من صبيان الحيّ عندنا، وَلد من أولاد مدارسنا، ابن من أبناء عائلاتنا، يمكن له أن “يَسكر” لا من عرق زحلة المشهور، بل من حبّ الله وحبّ الإنسان.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى