علوم وتكنولوجيا

هل بات تفوق الصين في مجال الذكاء الاصطناعي بين قوسين أو أدنى؟

بقلم سامي خليفة

بينما لا تزال الولايات المتحدة تتقدم على منافسيها في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحقق الصين نمواً متسارعاً في هذا المجال، في ما يعزوه البعض بالمسعى للهيمنة باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مزدوج، من أجل ضبط المواطنين داخلياً والتحول إلى القوة الأولى عالمياً في نفس الوقت. ومع احتدام المنافسة على مستوى البحوث والتطبيقات، يبقى السؤال الأهم يتمحور حول قدرة بكين على انتزاع الصدارة من واشنطن.

تقرير البنتاغون عن الصين

طموح الصين بأن تكون القوة الأولى عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، عبر الاستثمارات التي من شأنها أن تهدد الولايات المتحدة وتقضي على مزايا واشنطن في التكنولوجيا. يشكل مبعث قلقٍ للمسؤولين في واشنطن، إذ لفت تقرير لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، صدر في أواخر عام 2020 بعنوان “التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية 2020 Military and Security Developments Involving the People’s Republic of China 2020″، إن بكين تنظر إلى التكنولوجيا على أنها عنصر حاسم في قوتها العسكرية والصناعية المستقبلية.

وأضاف التقرير أن خطة تطوير الذكاء الاصطناعي للجيل القادم في الصين توضح تفاصيل استراتيجية بكين التي من شأنها توظيف المنظمات التجارية والعسكرية لتحقيق اختراقات كبيرة بحلول عام 2025، لكي تصبح القوة الرائدة على مستوى العالم عام 2030.

وينوه التقرير بأن الصين حققت على مدى السنوات الخمس الماضية، إنجازات في السفن السطحية غير المأهولة المزودة بالذكاء الاصطناعي، والتي تخطط لاستخدامها لتسيير دوريات وتعزيز مطالبها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. فضلاً عن اختبارها الدبابات غير المأهولة كجزء من الجهود البحثية لدمج الذكاء الاصطناعي في القوات البرية. وفي غضون ذلك، يتحول الجيش الصيني بعيداً عن أسلوب الحرب “المعلوماتية”، وينتقل إلى الحرب “الذكية”.

ووفقاً للتقرير، دعمت الصين في عام 2017، قائمة من الشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي، ومنها: “علي بابا Ali baba” و “بايدو Baidu” و”أيفلايتك iflytek” و”تينسنت Tencent”. وانضمت “سينستايم SenseTime” في عام 2018 إلى القائمة، وفي عام 2019 أضافت بكين 10 شركات جديدة، بما في ذلك “هواوي Huawei” و “هيكفيشن Hikvision “و “ميغفي Megvii “.

وأكثر ما يقلق المعنيين في واشنطن، هو تطرق تقرير “البنتاغون” لخطط بكين بمتابعة الحرب الذكية من خلال إستراتيجيتها لتطوير الاندماج العسكري-المدني، والتي تتطلب نقل التكنولوجيا التي طورها القطاع التجاري إلى الجيش، من خلال إصلاح إستراتيجية البحث والتطوير. واستناداً إلى ذلك، يقوم الجيش الصيني بتطوير أنظمة معلومات قيادة  بقدرة أكبر تساعد في اتخاذ القرار في ساحة المعركة. وستسعى هذه الأنظمة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لجمع البيانات الضخمة ودمجها ونقلها من أجل إدارة أكثر فاعلية لساحة المعركة ولتوليد مسارات العمل المثلى.

تحدي القوة العسكرية الأميركية!

هذا التقرير الخطير، دفع وزير الدفاع الأميركي الأسبق مارك إسبر، للتحذير بأن الصين تمتلك مئات الملايين من الكاميرات الموجودة في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء البلاد، تُضاف إلى مليارات من نقاط البيانات التي تم إنشاؤها بواسطة إنترنت الأشياء الصيني. مضيفاً “سيتمكن الحزب الشيوعي الصيني قريباً من التعرف على أي شخص تقريباً يدخل حيزاً عاماً، ويفرض رقابة على المعارضة في الوقت الفعلي. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو حقيقة أن هذه الأنظمة يمكن استخدامها لغزو الحياة الخاصة، دون ترك أي رسالة نصية أو بحث على الإنترنت أو عملية شراء أو نشاط شخصي بعيداً عن قبضة بكين المشددة”.

وأشار إسبر أيضاً إلى أن الصين تستخدم جهاز المراقبة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي لقمع السكان المسلمين من “الإيغور” وللتعرف على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية واحتجازهم وسجنهم في هونغ كونغ. متوقعاً أن تبيع بكين هذه القدرات للخارج، لتمكين الحكومات الاستبدادية الأخرى من التحرك نحو حقبة جديدة من الاستبداد الرقمي.

وعن انعكاس هذا الأمر على الولايات المتحدة، قال إسبر ” تستثمر الصين في الأنظمة المستقلة وتنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه قفزة تقنية  يمكن أن تتيح منصات مستقلة منخفضة التكلفة وطويلة المدى لإسقاط القوة العسكرية التقليدية الأميركية. وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة الصينية على تطوير الجيل التالي من الطائرات بدون طيار الشبحية، والتي تستعد لتصديرها دولياً”.

خبراء أميركيون يحذرون

وقد أشعلت المعطيات المذكورة آنفاً، النقاش بين عدد من الخبراء الأميركيين الذين دعوا لضرورة الانتباه إلى ما تفعله الصين والتفاعل معه لأن الذكاء الاصطناعي سيسوغ مستقبل العالم. ومن بين هؤلاء إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “غوغل Google”، الذي لفت خلال حدث استضافته مؤسسة “هوفر Hoover ” البحثية مؤخراً، إلى أن القوة الآسيوية العملاقة تلحق بالولايات المتحدة بسرعة. منوهاً بأن الولايات المتحدة تتقدم على الصين في هذا المجال بعام أو عامين فحسب.

من جهته، صرّح مايكل براون، مدير وحدة الابتكار الدفاعي في “البنتاغون”، بأن الولايات المتحدة في “ماراثون مع الصين” لاكتساب التكنولوجيا المتقدمة. مشيراً أن هناك بالفعل مجالات تتقدم فيها بكين. وتشمل برامج التعرف على الوجه، والطائرات الصغيرة بدون طيار، والاتصالات الكمومية، والبيانات الجينية، والعملات المشفرة، وغيرها من الأمور.

وتابع: “إذا سمحنا للصين بأخذ زمام المبادرة في هذه التقنيات الرئيسية وتمكنت من تحقيق تقدم كبير، فلن نكون قادرين على ردعها عسكرياً. العقد القادم حاسمٌ بالنسبة لنا. … إذا لم ننظم أنفسنا لأخذ زمام القيادة في هذه التقنيات الرئيسية في العقد المقبل، فقد يكون الوقت قد فات “.

أما إلسا كانيا، الزميلة المساعدة في برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في “مركز الأمن الأميركي الجديدCenter for a New American “Security، فرأت أن بكين تعمل على عدد متزايد من مشاريع وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المراحل المبكرة بتمويل من مؤسسات مثل لجنة العلوم والتكنولوجيا التابعة للجنة العسكرية المركزية، والتي تشبه تقريباً وكالة مشروعات البحوث المتقدمة الدفاعية الأميركية.

العمليات العسكرية

إلى ذلك، حذر جيمس ستافريديس، وهو أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف “الناتو “، قبل بضعة أيامٍ، الإدارة الأميركية من الاستهانة بقدرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي. معتبراً أن بكين قامت ببناء “نهج حكومي كامل” من الألف إلى الياء، لتصبح القوة العالمية المهيمنة في الذكاء الاصطناعي. ويتضمن هذا النهج تركيزاً كبيراً على العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتعليم الرياضيات على جميع المستويات؛ وزيادة مستويات البحث والتطوير، بما في ذلك العمليات العسكرية؛ والسيطرة على مجموعات هائلة من البيانات من الشبكات الاجتماعية، والتجسس الصناعي لجمع الحلول من المنافسين الدوليين؛ وإدماج الذكاء الاصطناعي في كل مجال من المجالات الحكومية والخاصة.

وبرأيه، تبنت واشنطن في غضون ذلك نهج السوق، على أمل أن يقوم “وادي السيليكون Silicon Valley” ومراكز التكنولوجيا الأخرى بتمويل الكثير من البحوث الأساسية وإبقاء أميركا في اللعبة. ما عزز من إمكانية تخلف الولايات المتحدة مقارنةً بالصين في استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية.

وإذ أشار ستافريديس إلى أن الريادة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي ضعيفة ومتقلصة، وأن بعض المراقبين يعتقدون أنها قد ولت بالفعل. استطرد بالقول أن الذكاء الاصطناعي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرات السيبرانية، الهجومية والدفاعية، خصوصاً مع ظهور الحوسبة الكمومية. محذراً من أن المجموعة الكاملة التي اعتمدت عليها واشنطن في علم التشفير وأمن الكمبيوتر أصبحت قديمة جداً. وبذلك يجب أن يكون المشغلون العسكريون في جميع الأجهزة، وخصوصاً مجتمع الاستخبارات، جزءاً من احتضان ثورة الذكاء الاصطناعي.

هل ستتفوق الصين حقاً؟

غير أن تفوق الصين على الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي ليس قدراً محتماً بالنسبة للجميع. فبينما تواصل الصين الاستثمار في التكنولوجيا، تؤكد دانا ديزي، كبيرة مسؤولي المعلومات في “البنتاغون”، أن الولايات المتحدة لا تزال لها اليد العليا. وتشرح ذلك بالقول “هناك بعض النقاد الذين يقترحون أن الصين هي القائد الفكري والتقني في مجال الذكاء الاصطناعي. يستخف هؤلاء النقاد بالموهبة والروح الابتكارية للقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية في بلادنا. لا أحد يستطيع أن يضاهي القوة الفكرية للأكاديميين الأميركيين في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا هو أحد الأسباب التي تجعلني على ثقة بأن الولايات المتحدة ستستمر في الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي لسنوات عديدة قادمة “.

بدوره، قال جيفري دينج، الباحث في مركز حوكمة الذكاء الاصطناعي بجامعة “أكسفورد”، إن أي بلد يمكن أن يتخصص في تطبيقات عسكرية معينة، كما فعلت الصين، لكن هذا لا يعني أن لديها قاعدة عريضة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

كما ردد ناند مولشانداني، القائم بأعمال مدير مركز “الذكاء الاصطناعي المشترك JAIC” في البنتاغون، ما قالته ديزي، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي ليس قطعة تقنية واحدة متجانسة، بل مجموعة متنوعة من المكونات لتشمل الخوارزميات والإحصاءات وغير ذلك. مشدداً أنه عندما يتعلق الأمر بالحجم والتطور والموهبة، تقود الصناعة الأميركية العالم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى