ثقافة وفنون

نقولا الاسطا: من المهم ان يفعّل الفنان وزناته في مجتمعه الكبير لا أن يحصره في فنّه وعائلته

صوته من أعرق وأجمل الأصوات اللبنانية، غنّى الوطن فكان سفير قضاياه المتعبة، غنّى الحب فكان خبير معانيه الصادقة، وغنّى الإيمان فكان كريم عطاءاته الإنسانية، هو نقولا الأسطا الذي استطاع بصوته العذب أن يجمع الغناء والصلاة في رحلة فنية متألقة دائمة جلّ ما قيل فيها “رسائل محبة، مواطنة وخشوع في الصلاة”.

الكلمة نيوز” التقته في لقاء لطيف هذا نصّه:

  • مؤخرًا، شعرنا بحزن كبير في أغانيك “بدنا نكسّر كراسيكم” و “سامحنا يا رب الكون”، وعلى الرغم مما تحمله من وطنية وعنفوان إلًا أنها تحمل الكثير من اليأس والحزن، فهل هذا بسبب زمن الأزمات التي نعيشه اليوم؟

يعيش الفنان كباقي أبناء الوطن هواجس وقلق وخوف من الآتي، فهو وممّا لا شك فيه، إبن بيئته يتعايش مع الأحداث ويتأثر بها كثيرًا خصوصًا كمثل حالي رب عائلة أخاف عليها وأريدها كباقي الآباء أن تعيش بسلام وأمان، وكما أنشدت الحب والوطن والفرح ها أنا اليوم أحمل في صوتي ومن خلال الأغاني والترانيم التي قدمتها، ما يمكن أن أضعه في خانة العودة إلى الذات، أو لعلها النقمة مما نعيشه كل يوم بسبب الوضع الإقتصادي المتردّي من جهة، ووضع كورونا المتأزّم من جهة أخرى، فكان الحزن وكانت الصلاة في الترانيم التي أنشدتها والتي وبشهادة الناس دفعتهم للصلاة عشرات المرات وهذا من ضمن الرسالة التي أحملها دومًا وأبدًا.

  • لأول مرة نشاهد الفنان نقولا الأسطا في عمل دعائي إنساني، فهل لك أن تخبرنا عن هذه التجربة الجديدة؟

يوافق هذا العام، عام ترؤسي نادي بيروت لوتوس في الليونز، وشاءت الظروف أن تكون الأحوال سيئة هذه السنة، وعلى كل الأصعدة، فارتأينا في النادي أن نقدم عملًا مميزًا وخدمة إنسانية مستدامة، فكان هذا العمل الذي تمّ بدعم من نادٍ ليونزي خارج لبنان، نتوجه من خلاله إلى الجميع بالمساعدة على تأمين أجهزة أوكسجين والتي أثبتت فاعليتها والحمد لله على أمل أن يحظو حظونا من بإمكانهم تقديم أجهزة مماثلة ليتسنّى لنا خدمة أكبر شريحة ممكنة من أهلنا من مصابي كورونا.

وفي هذه المناسبة أود أن أقول أنه من المهم جدًا أن يفعّل الفنان وزناته لمجتمعه الكبير لا أن يحصره في فنّه وعائلته فقط.

  • غنّيت “ضلّك بالبيت” وهي من النوع التوجيهي الهادف، برأيك هل بإمكان الأغنية أن تؤدي رسالتها الهادفة في ظل الإنتشار الواسع للأغاني التجارية اليوم؟

في الحقيقة، تستطيع الأغنية أن تؤدي رسالتها المطلوبة بشكل سلس إن توافرت فيها عناصر النجاح الثلاث، الكلمات، اللحن والكليب البسيط البعيد عن التكلف، ولما كنا نعيش في ظروف صعبة فرضتها جائحة كورونا القاتلة، والتي وعلى الرغم من  تداعياتها الموجعة، نلحظ شريحة واسعة من الناس لا زالت غير مقتنعة بوجودها، فاتفقت مع نعمان الترس على كلمات هادفة توعوية، قمت بتلحينها وتصويرها على طريقة الفيديو كليب بشكل عائلي لإضفاء جو إيجابي على الحجر المنزلي، فنالت الأغنية إعجاب الكثيرين وتمّ تداولها بشكل لافت ما يؤكد أهمية الموسيقى وتحديدًا الأغاني في تأدية رسالتها بشكل صحيح.

  • تمرّن وتدرّس أصول الغناء الصحيح، برأيك لمَ هذا التدنّي في المستوى الفني خلال هذه الفترة؟ وما الذي حصل حتى وصلت الأغنية اللبنانية خصوصًا والعربية عمومًا لمثل هذا المستوى؟

في الحقيقة، فرضت عليّ كثرة التزاماتي وانشغالاتي الفنية ابتعادي عن عالم التدريس والتمرين، لكن من يتابع وسائل التواصل الإجتماعي وخصوصًا اليوتيوب يجد أن من يهوى، ومن يتقن ومن شجعته أمه على الغناء، بات من “نجوم الصف الأول” وهذا ما يعني سهولة في الإنتشار ودون أي ضوابط تُذكر إن لناحية الكلمات أو اللحن أو الصوت أو حتى احترام المُشاهد أو المُستمع، ما ساهم في وصول الفن إلى هذا المستوى الهابط والذي يؤثر بشكل مباشر على أصحاب المواهب الحقيقية الذين يرفضون الفن الهابط ولا يملكون المال الكافي للإنتاج أو التسويق.

وأود أن ألفت أن السوشال ميديا سيف ذو حدين، الشهرة من جهة وتدنّي المستوى من جهة ثانية، بمعنى أن بعض الناس تتعمّد الوصول إمّا بالإباحية والتعرّي وإمّا من غرف النوم ما يؤمن لها شهرة واسعة تكون دائمًا على حساب الناس الموهوبة والتي تضع الإحترام في أولويات إنتاجاتها، من جهة أخرى نجد اليوم الأغاني والموسيقى المتداولة عبر التيك توك وغيرها والتي تضع مؤدّيها في قائمة النجوم المنافسة وهذه من الأمور التي أوصلتنا إلى هذا التدنّي الكبير.

  • “البنط العريض” للفنان حسين الجسمي حققت انتشارًا واسعًا في العام 2020، كيف تجد تجربة الجسمي باللهجة المصرية؟

لا شك أن الفنان حسين الجسمي سبّاق بالحداثة، بالفن الجميل المتميز عن الرائج الموجود، وطبيعة صوته “الفرخة” أي الصوت الرفيع ساهمت في تميّزه إلى جانب ثقافته الموسيقية العالية ورقيّ أدائه. إن الجسمي فنّان متميّز يقنعنا دائمًا بأعماله وبأي لهجة غنّى.

  • هناك تقنيّة معيّنة للترانيم الدينية، كيف تعلّق على أداء بعض الفنانين الذين يعرّبون ويطرّبون في إنشاد الترانيم خصوصًا وأننا بحاجة للصلاة لا للإستمتاع بالأصوات فقط؟

ليس كل صوت “يغني” يمكن أن يرنّم إطلاقًا، فمَن يُكثر من العِرَب واعتماد الطرب في الصلوات، إنما يعتمد طريقة الإبهار وعرض العضلات وهو ما يتنافى مع الصلاة التي تحتاج دائمًا إلى روح وخشوع، فكل شيء في هذه الحياة يحتاج إلى روح ليؤدي رسالته، الأغنية الوطنية دون “روح” لا يمكنها أن تحاكي العنفوان، والنقمة إن كانت بلا روح، فلن يصدّقها الناس، وبالتالي الصوت الجميل لا يمكنه أن يكون هو الأساس، فالإنسان الذي  يستطيع الترنيم يمكنه أن يغني بسهولة لكن من يغني لا يستطيع دائمًا أن يرنّم وبالشكل الصحيح.

  • نقولا الأسطا الفنان المثقّف والمتمكّن موسيقيًا والوالد، ماذا يقول عن ظاهرة برامج مواهب الأطفال الغنائية وهل تؤيدها؟

في الحقيقة،لا يمكننا ،تقنياً ،أن نبني على خامة أو قدرة الصوت في عمر الطفولة ولا حتى  في عمر المراهقة،فمع البلوغ سيتغير الصوت بالتأكيد،في ما يبقى الاداء الجميل جميلا ،وهنا أودّ ان أشير الى ان نجاح الفنان لا يتعلق بجمال الصوت قط،انما بالقدرة على الاقناع والاحساس الجميل لا سيما في زمننا الحالي حيث مشاريع الفنانين كثيرة جدا.

بالنسبة لموضوع برامج مواهب الاطفال،لا شك ،أننا كأباء نخاف على أطفالنا من تأثير النجومية على طفولتهم،اذ،ليس من السهل على طفل صغير ان يقف امام  ملايين المشاهدين ويحظى بمتابعات لا تعد ولا تحظى دون ان يتأثر بشكل واضح،هذا ناهيك عن التغيير الذي يطرأ عليه في مرحلة النضوج وحاجته الى العناية العائلية اكثر من الحفلات الموسيقية والشهرة.

من جهة ثانية ،لا بد من الاشارة الى موضوع هام يتعلق بالظلم الذي يلحق ببعض المتبارين الذين يتمتعون بأصوات رائعة ،ويتم استبعادهم من البرامج اما ارضاء لمشاركين يتمتعون بمتابعات كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي،واما لكونهم من بلدان تحظى بنسب تصويت عالية كمثل مشتركي دولة مصر مقابل مشتركي لبنان مثلا  ،ما يسهم في خلق نوع من عدم التوازن المقصود ودائما لمصلحة الربح المادي الواسع لصالح البرنامج،الامر الذي يترك أثره السلبي على أطفال لا حاجة لادخالهم في مثل هكذا مواقف.

  • كلمة أخيرة؟

مبروك انطلاقة موقع “الكلمة نيوز” في كندا، وبالتوفيق والتقّدم والإنتشار الكبير على أمل أن تكون المصداقية والحقيقة الحقة عنوان رسالته الإخبارية الدائمة.

كما وأتمنى لكل من يقرأ هذا المقال الصحة وراحة البال ،ولبلادي العافية والسلام والأمان على أمل ان يعي المسؤولين فيه مسؤولياتهم ويعرفوا ان البلد لن يتحسن الا باتفاق وتضامن كل مكوّناته عليهم ان يحبوا لبنان بشكل كاف فمن يحب يعمل بجهد اكبر.

في الماضي كنا نفتخر بلبنانيتنا اما اليوم فأنا أعتقد ان المعيار تغير قليلا،وحتى تتحسن أمورنا وأمور بلادنا اتمنى للجميع أعيادا مباركة على مدار السنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى