قرية أفقا – معبد عشتار
من اعداد جورج الزغبي
قرية أفقا – معبد عشتارو أوّل كنيسة مسيحيّة في لبنان
قبل أن أتحدث عن قرية أفقا، سأعود إلى التاريخ وأتحدث عن بعض الأساطير التي حدثت في هذه القرية بالإضافة إلى القرى الأخرى في جبيل و كسروان، و أهم أسطورة تاريخية تجمع بين هاتين المنطقتين هي أسطورة أدونيس وعشتار. و تتحدث هذه الأسطورة الفينيقية عن قصة الحب بين أدونيس وعشتار التي انتهت بشكل مأساوي بقتل أدونيس. ووفقًا لتلك الأسطورة، وفي بركة شلالات قرية أفقا بجبيل، نزف أدونيس حتى الموت بسبب جرح عميق. عشتار شعرت باليأس عند مقتله وطلبت من ربها أن يعيده إلى الحياة! لكن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك سمحت الآلهة لذكرى أدونيس أن تكون في كل القلوب. وفي كل ربيع, وفي نفس وقت قتل أدونيس، تذوب الثلوج وتجلب طينًا أحمر إلى النهر من المنحدرات الجبلية. وتقول الأسطورة أن هذا هو دم أدونيس، الذي يتم تجديده كل عام، وقت قتله. أيضا في الوادي الخصيب المحيط بالنهر، تتفتح ملايين من شقائق النعمان القرمزية، المعروفة باسم زهور أدونيس، ووفقًا للأسطورة، تنبثق شقائق النعمان من دمه وتعود كل عام للذكرى. تم تسمية النهر من قبل “نهر أدونيس” و قبلا “نهر تموز” ثم أعيدت تسميته “نهر إبراهيم”، ويستمر في التدفق من جبيل إلى كسروان حتى يصل إلى البحر. و نهر ابراهيم ينبع من مغارة افقا عند جبل المنيطرة، يرفده عدد من الينابيع والجداول ، اهمها الرويس من العاقورة، نبع الحديد من جرد قهمز، ونهر الدهب من فتوح كسروان ويصب جنوبي جبيل حيث بلدة نهر ابراهيم حاليا. يعتقد اهالي اليمونة ان نبع مغارة افقا آت من بحرة اليمونة التي ترتفع 13 كلم عن النهر.
قرية أفقا على مسافة 80 كلم عن بيروت عبر نهر ابراهيم ـ قرطبا ـ المجدل -المنيطرة؛ أو جبيل ـ اهمج – اللقلوق – العاقورة; أو من قضاء كسروان عبر ميروبا ـ لاسا؛ كما تتّصل بالبقاع من خلال شقّ طبيعيّ ضيّق تعبره طريق اليمّونة، وهو الطريق الرومانيّ الشهير الذي يعتبر من أقدم طرقات العالم. وذكر إرنست رنان أنّ طريق العاقورا ـ اليمّونة ـ البقاع هي أقدم طريق صنعتها يد إنسان قبل أن تدوسها رجلاه. يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1000 – 1200 م, وعدد أهالي أفقا المسجّلين حوالى 2200 نسمة، أكثريّتهم الساحقة من أبناء الطائفة الشيعيّة، والباقون موارنة. و تفسير اسم أفقا كان قد ردّ الإسم إلى جذر “أفق” السامي المشترك يفيد عن الإحاطة والتسوير والحمى، علما بأنّ أفقا كانت حمى لأدونيس، وإن كان هنالك تفسير آخر يعني المخرج المتدفق.
تحتفظ أرض أفقا التي كانت المركز الرئيس لعبادة أدونيس، ببقايا لهياكل ومزارات كثيرة تعود لتلك العبادة، كان يتقاطر الحجيج إليها من جميع أنحاء العالم القديم، أهمّها بقايا هيكل أدونيس وعشتروت. و مغارتها مفتوحة. وصفها إرنست رينان بأنّها من أجمل الأماكن في العالم. وترتبط أسطورة عشتار وأدونيس بالعديد من القرى في جبيل وكسروان مثل: جنّة، غينّة، نهر ابراهيم، يحشوش، شوان. و اعتبر مؤرّخون أنّ أوّل أثر مسيحيّ في لبنان على ما أورد أوسابيوس القيصريّ وسوزيمس وغيرهما من المؤرّخين هو هيكل الزهرة في أفقا. فقد حوّله قسطنطين الكبير 337 إلى كنيسة مسيحيّة تيّمنا باسم السيّدة العذراء بعدما بلغه ما يجري في ذلك المعبد من الآثام الفظيعة والأرجاس القبيحة على حدّ تعبير بعض المؤرّخين المسيحيّين. غير أنّ يوليانوس الجاحد 363 أعاد الكنيسة المذكورة إلى أصلها الوثنيّ. ولمّا جلس أركادويس على العرش أمر عام 399 بتقويض الهياكل الوثنيّة فأعيد هيكل الزهرة إلى معبد مسيحيّ، وازداد عدد المسيحيّين.
يمكن أن تكون قرية أفقا الأقدم في العالم بأسره، كما أن طرقها، وكهوفها، ووديانها، وجبالها، وأنهارها يوجد فيها أدلة أثرية تدل على أن القرية كانت مأهولة منذ حوالي 10000 عام، وقد جاء في بعض المدوّنات أنّ أباطرة الرومان، على عزّهم، كانوا يحجّون إلى معبد عشتار ويخصّونه بعطفهم ويحرّمون قطع ما يحيط به من غابات، فبالإضافة إلى الأمبراطور أدريانوس حجّ إلى الهيكل ماركس كراسوس.