إقتصاد

البتكوين.. هل هي كنز رقمي أم مجرد فقاعة استثمارية؟

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، برزت عملة البتكوين كظاهرة فريدة من نوعها، حاملة معها وعوداً بقلب مفاهيم المال، فهل هي حقاً ثورة مالية، أم مجرد فقاعة ستنفجر حتماً؟ تلك هي المعضلة التي حيرت الخبراء والمستثمرين على حد سواء.
فمنذ ظهورها، أثارت البتكوين تساؤلات حول طبيعتها الحقيقية: هل هي كنز رقمي أم مجرد حصاة رقمية قيمتها لا تتعدى كونها أداة للمضاربة؟ فمع ارتفاع أسعارها إلى آفاق جديدة، وتقلباتها الحادة، تزداد الحاجة إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة، وتقييم فرصها ومخاطرها. لكن يبقى السؤال الأهم هل يمكن أن نثق بعملة لا تُستخدم كعملة تقليدية؟
ويشبه تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلع عليه موقع سكاي نيوز عربية” العملات المشفرة بأحجار الشاطئ الجميلة. يحبها البعض ويجمعونها، ويقدر البعض الآخر جمالها، ويتم تبادل هذه الأحجار بأسعار معينة”.
ونوه بأن إحدى أبرز المعضلات تتمثل في أن البتكوين لا تستخدم على نطاق واسع كوسيلة للدفع مقابل السلع والخدمات، عكس العملات التقليدية، وهذا يثير تساؤلات حول قيمتها الحقيقية وكيفية تقييمها. فبينما يعتمد سعر العملات التقليدية على العرض والطلب في السوق، فإن قيمة البتكوين تتأثر بعوامل أخرى مثل التوقعات المستقبلية والتطورات التكنولوجية.
وعلى الرغم من الشكوك التي تحيط بالبتكوين، إلا أن هناك من يرى فيها مستقبل المال، معتبرين أنها توفر نظاماً مالياً لامركزياً آمناً وشفافاً ومع ذلك، يحذر خبراء من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في العملات المشفرة، والتي تشمل التقلبات الشديدة في الأسعار واحتمالية حدوث عمليات احتيال.
وشهدت عملة البتكوين ارتفاعاً بنسبة 38 بالمئة خلال العام الحالي، ولكن في الوقت نفسه، سجل انخفاضاً حاداً بنسبة 10 بالمئة خلال شهر أغسطس الماضي وهو أسوأ شهر له منذ أبريل الماضي، هذه التقلبات تعكس الطبيعة المتقلبة لسوق العملات المشفرة، وتجعل من الصعب التنبؤ باتجاه أسعارها في المستقبل، وفقاً لتقرير الشبكة الأميركية.
جاذبية البتكوين
في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول علي حمودي، الخبير المالي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “تكمن جاذبية البتكوين، العملة الرقمية التي اقتحمت الأسواق في عام 2009، في إمكاناتها الثورية. فهي تعمل على سلسلة كتل لامركزية، مما يزيل الاعتماد على البنوك المركزية والحكومات. وتَعد هذه الطبيعة اللامركزية بالحرية المالية، وزيادة الأمن من خلال سجلات المعاملات الشفافة، وإمكانية الوصول العالمية، وخاصة لأولئك المستبعدين من الخدمات المصرفية التقليدية”.
كما أن العرض المحدود من البتكوين، وهو تناقض صارخ مع الاتجاهات التضخمية للعملات الورقية التقليدية، يضعها أيضاً كتحوط محتمل ضد عدم الاستقرار الاقتصادي، بحسب تعبيره.
ومع ذلك، يشير حمودي إلى أن تقلبات البتكوين تشكل مصدر قلق دائم، حيث تخضع قيمتها لتقلبات جامحة، مدفوعة إلى حد كبير بالمضاربة. وهذا يخلق بيئة استثمارية محفوفة بالمخاطر، مما يجعل من الصعب التنبؤ باستقرارها على المدى الطويل. وتجعل هذه التقلبات العالية من الصعب القيام بالمعاملات اليومية كما يفعل المرء مع العملات التقليدية.
ويضيف: “علاوة على ذلك، فإن افتقار البتكوين إلى القيمة الجوهرية، على عكس العملات التقليدية المدعومة من الحكومات، يثير المخاوف بشأن قيمتها الحقيقية. كما أثار استهلاك الطاقة المطلوب لتعدين البتكوين انتقادات، وقد رأينا هذا يسلط الضوء على تأثيره البيئي”.
الثقة تعتمد على أمان البلوك تشين
ورداً على سؤال حول مدى الثقة بعملة لا تُستخدم كعملة تقليدية أجاب الخبير المالي حمودي: “ربما تكون مسألة الثقة في البتكوين هي الأكثر أهمية، هل يمكننا حقاً أن نثق في عملة رقمية لا تعمل ضمن الإطار المالي التقليدي؟ حقيقة هذا يعتمد على أمان الـ (بوك تشين) وقدرتها على تحمل الهجمات والقرصنة والبقاء محصنة ضد العبث. ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، لا تزال نقاط الضعف قائمة، كما يتضح من أحداث الاحتيال السابقة”.
لكنه يذكر “أن التبني الواسع النطاق يعد عاملاً حيوياً آخر، ولكي تكتسب عملة البتكوين ثقة حقيقية وواسعة النطاق، يتعين عليها أن تتجاوز كونها أصلاً مضاربياً وأن تصبح وسيلة قابلة للتطبيق في المعاملات اليومية. كما أن الوضوح التنظيمي أمر بالغ الأهمية. فبينما تكافح الحكومات والهيئات التنظيمية بشأن كيفية تنظيم عملة البتكوين، فإن حالة عدم اليقين التي يعيشها المستثمرون سوف تستمر”.
وفي حال شرعت البنوك المركزية والحكومات في إصدار تشريعات تفرض عليها مزيداً من الرقابة والسيطرة، هل ستظل البتكوين رمزاً للحرية المالية والسرية؟ حمودي طرح التساؤل وأجاب عليه بنفسه بقوله: “إن عملة البيكوين ظاهرة معقدة ومتطورة. ولديها القدرة على إحداث ثورة في عالم التمويل، وتوفير قدر عظيم من الشفافية والأمان والتحرر من القيود”.
مستقبل غير مؤكد
في العموم إن مستقبل هذه العملة الرقمة المشفرة غير مؤكد. ويعتمد مسارها نحو التحول إلى عملة عالمية على التقاء عوامل الابتكار التكنولوجي، واعتمادها على نطاق أوسع، واستقرارها التنظيمي، وثقة متزايدة بين المستخدمين، ويبدو أن الرحلة ستكون مليئة بالمنعطفات والتقلبات، وستشكل النتيجة مستقبل التمويل، مما قد يؤثر على الاقتصاد العالمي للأجيال القادمة.، طبقاً لما قاله الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، الذي يرى بأنه يجب على المستثمرين في الوقت الحالي وحتى إشعار آخر، اعتبار البتكوين والعملات المشفرة الأخرى فئة أصول عالية المخاطر ومعاملتها على هذا النحو.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY” الدكتور نضال الشعار في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن صفة العملات الرقمية على البتكوين والإيثريوم والريبل وغيرها هو تعبير مجازي في أحسن الأحوال، والحقيقة لا يمكن أن نعتبر هذه الأدوات عملات حقيقية أو أنها نقوداً، لأنها تفتقد إلى الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في النقود، ومن أهم هذه الشروط سلطة جهة الإصدار وقوة الإبراء، وهذه الشروط لا تتوفر في العملات الرقمية نهائياً وبالتالي لا يمكن أن نصنفها حالياً إلا كسلع قابلة للتداول”.
ولا يمكن إنكار أن هذه العملات استحوذت مجالاً كبيراً في التداولات وفي تصفيات الذمم والمقاصات ولكن ذلك يتم من خلال قبول المتعاملين بهذه العملات أي قبول الأطراف التجارية باستلام وتسليم هذه العملات كطريقة لتصفية الحسابات والشراء والبيع وهو أولاً وآخراً على سبيل المقايضة التي ستنتهي بالنقود لأنها مرحلة متوسطة بين الشراء والبيع ومن ثم استخدام العملات الرقمية ثم تسييلها إلى نقود حقيقية، بحسب الدكتور الشعار الذي أكد أن القبول لا يعد شرطاً أساسياً لأن يُطلق على هذه الأدوات تعبير عملات.
وأوضح الخبير الاقتصادي الشعار أن “العملات الرقمية ليس سوى سلع يتم تداولها في السوق بشكل مقايضة أو تصفية صفقات ولا أحد يعلم ماهيتها وكيف تتم وما الغرض منها، وحين إنشاءها لم يكن القصد من ذلك أن تأخذ مكان النقود، بل القصد أن تكون طريقة جديدة للتداول والاستغناء عن النظام المصرفي وهذا شي فيه شبهة كبيرة بالنسبة للمحللين وحتى للأشخاص العاديين فلماذا نتخلى عن النظام المصرفي ونلجأ إلى طرق أخرى؟ وهذا السؤال ليس له جواب حتى الآن”.
صفقات مشبوهة
ويستطرد بقوله: “الصفقات التي تمت من خلال العملات الرقمية كانت فيها بعض الشبهات وهذا لا يعني أن كل من يتداول العملات الرقمية معرض للشبهة لكن لابد من الاعتراف بأن هذه الصناعة لاتزال غير واضحة لأغلب المستثمرين والمستهلكين، فهي طريقة جديدة لا شك وفيها الكثير من الفوائد والميزات، ولكن لا نعلم إلى أين ستقود هذه الطريقة في موضوع تعامل الأشخاص مع بعضهم وتصفية الصفقات والحسابات وكيف ستؤثر على السياسات النقدية للحكومات”.
ويتساءل الدكتور الشعار “ماذا سيكون رد فعل السلطات النقدية في العالم فيما يخص التعامل بالعملات الرقمية؟ إن استخدام العملات الرقمية سوف ينزع بطبيعة الحال قدرة هذه المصارف المركزية على السيطرة على حجم العرض من النقود وهو أداة رئيسية تقوم المصارف المركزية بإدارتها لإدارة الاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي وتخفيف معدلات البطالة بالإضافة لأسعار الفائدة، فهل ستتخلى هذه المصارف عن قدرتها للتحكم في حجم عرض النقود في الاقتصاد؟ لا أعتقد أن هذه يمكن أن يحدث قريباً”.
 ويرى كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” أن العملات الرقمية أصبحت اليوم ركناً جديداً في البورصات العالمية وهي تمثل ركن يلجأ إليه المستثمرون في حال عدم ثقتهم بما يقومون بالاستثمار به أي أنها بديل مؤقت بدليل التقلبات العنيفة في أسعارها وهذا قد يكون مرده إلى دخول وخروج مستثمرين بشكل مؤقت وبمجموعات كبيرة وبالتالي هذا ما يؤدي على تقلبات عنيفة في الأسعار، ويمكن اعتبار هذا البديل على شكل مضاربة لأن هذه التقلبات السعرية هي مظهر أساسي لما يسمى بالمضاربة في الأسوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى