مناسبات

رباب أبو الحسن

كاتبة

في يوم المرأة العالمي تحية لكل النساء

إن الأنوثة الكامنة في المرأة، حسب التحليل النفسي، مرتبطة بتكوينها الجنسي. فعمقها هو عمق الجسد بالنسبة للرجل عموماً، وللشرقي خصوصاً؛ حيث إن الزواج يُعقد بين الأب ولي أمر الفتاة الحال، وبين الصهر ولي أمرها التالي، أو ربما بين من يتوكّل عنهما. وليست الفتاة إلا كناية عن موضوع المبادلة… وتبعاته!! 

إن محاولات فرويد في كشف الأقنعة الواحد تلو الآخر عن حقيقة المرأة، أودت به إلى حقيقة مفادها أن المرأة ليست موضوع درس يمكن أن يتناوله الرجل بتجرد من دون أن تطال النتيجة الرجل نفسه في بنيته النفسية، ويؤدي إلى تغيرات في مفهومه لنفسه ولرجولته.

إن أية محاولة استقلال لشخصية المرأة لهي هاجس كبير يقضّ مضجع الرجل، وتُستنفر مخاوفه لقمع حريتها. 

وإن أصبح للمرأة شخصية مستقلة تحاكي الرجل في كثير من حقوقه، يعني ذلك في بدء الأمر إعلانها عن رغبتها. وإذا حصل ورغبت المرأة، فإن الرجل يفقد حصرية التزامه بها عبر طلبه وحاجته. إذ إن الإناث، في حال التبعية الرمزية، موضوعات مضيافة، جذابة وجاهزة ينتظر الرجل منهن أن يكنّ زوجات متحفظات منزويات خاضعات ومحتشمات، أو حتى عشيقات مجاملات لطيفات ومخلصات.

بينما الذكورة، بوصفها نبالة تنطبع في نظام الأجساد على أنها بداهة وطبيعية مفروغ منها. إذ إن كل الأعمال التي يقوم بها الرجال تكون صعبة ونبيلة؛ ولا معنى لها ومحسوسة وسهلة وتافهة عندما تقوم بها النساء.

إن الرجل منذ نشأته الأولى يعكس مفهوماً معيناً مفهوماً نرجسياً لرجولته. حيث الولد يحقّ له ما لا يحقّ للبنت وحيث زلة الرجل تُمحى وزلة المرأة تحملها معها إلى القبر.

بعبارة أخرى إن الرجولة تعني لا أنوثة والمقاييس التي تُقاس بها النساء ليست من الكونية في شيء وإن الحركة النسوية المسماة كونية تجهل أثر الهيمنة الذكورية!!!

مذ كنت صغيرة كان عندي طموح إلى معرفة ماذا يوجد خلف الليل، وما كنت أجرؤ على طرح هكذا سؤال على أحد وما فتئ السؤال يراودني حتى الآن. وعندما بدأت أقرأ لنزار قباني أصبح عندي طموح آخر… ماذا يوجد خلف الكلام؟ 

ما الذي يختبئ خلف الكلام؟ هذا القدر من الحب عند نزار قباني للمرأة أثار فيّ الرغبة للكشف

عن الذي يختبئ خلف كلامه. 

هل هذه القصيدة التي يلقيها على مسامع الجمهور، والتي يتماهى من خلال كلماتها وصورها في حبه للمرأة، ويذوب عشقاً ويحضر انخطافاً في حبه هي فعلاً تصدر عن شاعر ملهم بالمرأة، وسيم الطلعة، أزرق العينين بشوش الوجه ذات النبرة الآسرة والحضور المميز؟

 أو أنها تخفي رجلاً آخر؟ أيكون فعلاً خلف القصيدة هو الرجل نفسه الجالس أمامها؟  أليس لرجل القصيدة هذه بيئة شرقية؟ أليس هو رجلاً شرقياً طالعاً من بيئة شرقية؟ ألم تزل هذه البيئة تتأثّر بعصبيات معينة، عصبية الأصل والانتماء، كالقبلية والعشائرية والمدنية، وكلها لها أعراف وتقاليد؟ وأكثر من يتأثّر بها هي المرأة، أما الرجل فيستطيع أن يتفلّت منها كما يستطيع أن ينضوي تحت لوائها.

ولأن المرأة الشرقية عاشت بخوف، خوف من صراحة التعبير عما في داخلها، وخوف من الأب والأخ والعم وأبناء العم والزوج والابن، فإن هذا الخوف كرّس في واقعها إنكاراً لذاتها أمام ذوات الرجال أوصياء أمرها. والمرأة؛ وإن كانت في قرارة نفسها، تعرف وتدرك أنها أقوى مما هي عليه، لكن السيف المسلط على رقبتها جعلها تكتم هذه المعرفة خلف نظراتها ودموعها وطأطأة رأسها لواقعها المرير.

أليس من الغريب أن تسير المرأة في الطريق بمعية ابنها البالغ من العمر السابعة أو الثامنة حتى يؤمن لها غطاءً دفاعياً؟ في حين لو تعرض ابنها هذا للضرب من مجموعة صبيان، لوقفت متصدية لهم. كيف تحتمي امرأة بالغة بظل طفل؟ أوليست الذهنية الذكورية في وعي المرأة هي التي سيطرت على قدراتها حتى رضخت المرأة نفسها إلى هذه الذهنية خوفاً من مصير محتم ؛ القضاء على مستقبلها وعلى حياتها؟

نحن ندعو المرأة العربية إلى قلب المفاهيم المغلوطة المتوارثة عن كيفية تسيير حياتها. وهي الأعلم من حيث إدارة الأعمال بدءًا من أعمال المنزل وصولًا إلى شتى الميادين من تربوية وإنمائية وإعلامية وسياسية…. والنماذج كثيرة وغنية ولسنا في حاجة إلى أن نعدد أسماء النساء اللواتي تفوقن بمواقعهن وكنّ رائدات للجنسين على السواء.

لذلك، أيتها المرأة لا تطلبي من الرجل شيئًا، بل اجعليه يتقبل أفعالك المشرّفة، واعلمي أنّ السؤال لغير الله مذلّة. 

إتّحدي، يا سيدتي مع بنات جنسك، ديمقراطيًّا في مواجهة إستئثار الرجل بتشريع قوانين تدعو لحماية المرأة خاصةً من التعنيف الأسري. وفي مواجهة قوانين أخرى تخصّ المرأة. لماذا؟ لأنه سيفصّلها على مقاسه وعلى ما يتلاءم وقناعاته. 

لا تهبن أصواتكنّ لمن لا يشرّعون لكنّ،  وخضن تجربة البرلمان ولتكن أصواتكنّ هي المعادلة الصعبة التي ترجونها في إثبات دور المرأة وواقع وموقع المرأة. 

أيتها المرأة، وأنت المثقفة، الواعية، الناضجة، المدركة، المسؤولة، المضحية، المتفانية، الحنونة، المحبة، الرؤوفة، المسالمة، والمثمرة، ادّخري من مصروفك ما يخوّلك خوض التجربة وترشّحي للإنتخابات القادمة. أنت والنساء الموجودات في البلد نصف الشعب، إن لم تكنّ النسبة الأكثر عددًا.  

هذه الخطوة إن كان في ظاهرها تعصّب لأجلك، فإنّ في باطنها تحوّلًا نحو غد مشرق لأنفسكنّ وللنصف الآخر على السواء!! 

قومي من تحت الأنقاض وحققي المساواة والعدل والحرية لبنات جنسك بيدك. 

في يوم المرأة العالمي تحية لك أيتها المرأة الأم والأخت والإبنة والزوجة والمطلقة والأرملة وجميع النساء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى