مناسبات

النائب زياد ابو لطيف:كندا الحلم الذي لا يموت

النائب في البرلمان الكندي زياد ابو لطيف

بعد ثلاثين عاماً ونيف في كندا، أعود لأبحث فيها عن وطن قلبه أوسع من الكون وعقله يحمل أوزار الزمان بصبر، وهكذا فقط تُبنى الأوطان!

كان لي في بلدي الجميل كندا محطات كثيرة لعقود ثلاث خلت، تعرفت بها الى تضاريس معالمها ودخلت الى قلبها عاشقاً، فهي عروسة أحلامي التي تحققت في افيائها، وهي مداي الرحب وهواء حريتي الذي تنشقته في دساتيرها بعد أن حرمنا منه طوفان الشرق. فلا هي تتعب ولا أنا استريح ولا للأحلام أن تستكين.

تعرفت الى كندا وكان عليّ أن أتعلم الكثير، أوليست الحياة مدرسة مستمرة من المهد الى اللحد! ونحن نعيش في وطن خارطته مثل كوكب الأرض، جامع مثل السماء ورحب كما الآفاق، متنوع كما البساتين تحت ضفائر الشمس، عظيم كما في عنفوان الكوكب الأزرق ومستكين كبرج القمر يبعث النور ويؤنس الوحشة ويضيء دروب القادمين ليدلهم الى أبواب الفردوس؟

كندا الحضن الآمن، تفتح ذراعيها وأشرعة قلبها الدافئ لكل مظلوم وحالم، لكل محارب ومسالم، لكل مفكر وهائم، وهي ترتقي في علاقاتها كالأم في عقلها وفهمها وصبرها ورعايتها. هي تربي والوفاء يبقى على من استطاع إليه سبيلاً..

هنا للإنسانية سمفونية فريدة قد يكون من الصعب تخليدها، إلا أنها في حضانة السّماع لا بد أن تستمر والعالم يتكور حول قومياته وتشدّه أعصاب الباحثين عن هوية في العالم القديم وبعض الجديد!

هنا تجربة فريدة من نوع آخر، وسجادة حيكت بألوان البهاء. ليس أجدى.. الحفاظ على ألوانها ولو بجبر القلوب.

هنا كندا! توقف قليلاً أيها السائل لعلك تدرك ماذا استطاع بنّاؤوها أن يفعلوا في قرن ونصف القرن فقط من الزمان وبينهما حربان عالميتان! تصوّر ماذا  يستطيع أبناء الأمم النبيلة أن يفعلوا إذا ما توافرت لهم الأرض الخصيبة والهواء النقي والفضاء الرحب وملح أرضهم قانون وعدالة ومساواة وديمقراطية وشرعة حقوق وحريات!

كندا وقد لا تكون في الكمال كلّه، لكنها في الجوهر هي هو، وعليه تقع الجسام من المسؤوليات، فلا محل للخطأ.

كندا التي تعاني اليوم من بعض نقاش جدي لبعض الهويات القاتلة لا بد وأن يستدرك أهلها أنها ليست مكاناً لتصفية حسابات النشأة والتاريخ، ولن تكون، ليست ساحة لتنطلق منها مواكب الذين غفلتهم مراحل الزمان فراحوا يفتشون عن ثأر، ولن تكون ملعباً للهواة يختبرون فيه كيف يستأثرون، بل هي كانت وستبقى منبراً للأحرار عليهم بتعزيز قوتها وتمتين عقدها الاجتماعي، مسوؤلية كبرى لا تتحقق فعلاً باعتبارها غير وطن، أو وطن مؤقت أو فندقاً لنزلاء لما يزلوا ينتظرون أن يعود لهم وطن في مكان آخر من هذا العالم.

كندا تحتاجنا جميعاً في عيدها وفي كل يوم، فنحن نرتقي معها لتبقى لنا ولأجيالنا الأمة التي إليها يُنتمى وكفى بذلك فخرا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى