أخبار دولية

هل يتسبب صعود اليمين في شقاق اقتصادي في أوروبا؟

رغم أنه قد يكون الأضعف بين مؤسسات اتخاذ القرار الكبرى في الاتحاد الأوروبي (المفوضية والمجلس)، إلا أن البرلمان الأوروبي له أهميته الخاصة.
واحدة من عوامل أهمية البرلمان الأوروبي ما يرتبط بـ “المناصب” إذ يحتاج رئيس المفوضية الجديد ومفوضيه إلى دعم أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي، وقد أظهروا في الماضي أنهم قادرون على الإطاحة بالمفوضين من مناصبهم.
كما أن هذا الأمر مهم بالنسبة للسياسات، إذ يتعين أن يتم إقرار القوانين من قبل البرلمان الأوروبي وكذلك الوزراء الوطنيين الموجودين في المجلس.
ومع ما تُظهره الانتخابات من تقدم واسع للأحزاب اليمينية المتطرفة.. فكيف يمكن أن تؤثر هذه النتيجة على اتجاه السياسة في أوروبا على مدى السنوات الخمس المقبلة؟
يجيب عن هذا السؤال الكاتب والمحلل مارتن ساندبو، في المقال الذي أعادت نشره صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، والذي يقول إن اليمين المتطرف منقسم إلى درجة أنه لا يتمكن من فرض ثقله في البرلمان، سواء من حيث وضع جدول الأعمال (الذي يتعلق بالحصول على مناصب قيادية في اللجان) أو التصويت ككتلة واحدة.
ويلفت في الوقت نفسه إلى “خلافات الأحزاب اليمينية بشأن روسيا باعتبارها سبباً آخر لعدم فعاليتها في تحويل النجاح الانتخابي إلى نفوذ سياسي”.
ويضيف: “أعتقد بأن التأثير الحقيقي سيكون غير مباشر”، موضحاً أن المكاسب القوية التي يحققها اليمين المتطرف،ـ وخاصة إذا اكتسبت المزيد من الجرأة حال فوز ترامب في الولايات المتحدة- من المرجح أن تفرض تعديلات في المواقف السياسية للأحزاب الأخرى، نحو تفضيلات اليمين المتطرف.
وبحسب كاتب المقال، فليس من الواضح دائماً ما إذا كان اليمين لديه رؤية متماسكة للسياسة الاقتصادية؛ بينما أحزابه أكثر صوتاً في القضايا الثقافية والاجتماعية. ولكن بمجرد أن يهدأ الغبار ويأتي مرشح رئيس المفوضية لطلب دعم البرلمان، فثمة ثلاث مجالات مرتبطة بالسياسة الاقتصادية يتعين مراقبتها:
أولاً: الصفقة الخضراء
فيما يتعلق بالصفقة الخضراء، فقد كانت السياسة الرئيسية التي اتبعتها فون دير لاين؛ للحصول على دعم أعضاء البرلمان الأوروبي في العام 2019 – حيث جاءت الانتخابات في أعقاب مظاهرات شبابية ضخمة بشأن تغير المناخ.
وكانت الفكرة تتلخص في التعامل مع هدف صافي الكربون الصفري كوسيلة للتحول الاقتصادي والإبداع التكنولوجي، وكذلك لتعزيز الصناعة المحلية.
فيما أظهرت الحملات الانتخابية الأخيرة مدى الضغط الذي تتعرض له الصفقة الخضراء، وعلى النقيض من المرة السابقة، فإن المتظاهرين ليسوا من الشباب الغاضبين بشأن مستقبل كوكبهم، بل من المزارعين الغاضبين بشأن القواعد التنظيمية للزراعة الخضراء.
 ويعمل المزيد والمزيد من السياسيين -وخاصة ولكن ليس حصراً في أحزاب يمين الوسط- على توجيه مخاوف الناخبين من أن السياسة الخضراء يجب أن تحقق المزيد من الفوائد لتسهيل الأعمال التجارية والقوة الشرائية للمستهلكين.
وبالتالي، يتعين على المرشحين الجدد للمفوضية أن يتخذوا خياراً سياسياً كبيراً بشأن وتيرة ونطاق الأجندة الخضراء، بحسب كاتب المقال، الذي يضيف: “أعتقد بأن الأمر لا يتعلق بالاتجاه، فهدف الصفر الصافي موجود ليبقى، كما هو الحال مع التطلع إلى استقلال الطاقة وبالتالي المزيد من الطاقة المتجددة. ولكن علينا أن نراقب الالتزامات، أو عدم الالتزام بها، فيما يتصل بأمور مثل تشديد نظام مقايضة الانبعاثات الكربونية (لجعل تصاريح الانبعاثات أكثر تكلفة) أو العصا التنظيمية لإجبار المستهلكين والمنتجين على التحول من الأنشطة الأكثر إثقالاً بالكربون إلى الأنشطة الأقل إثقالاً بالكربون”.
ويتوقع في هذا الصدد تحولا مؤيدا للطاقة النووية في سياسة الطاقة وتباطؤا حادا في حماية البيئة وهو أمر لا يرتبط بشكل واضح بإزالة الكربون.
ثانياً: النهج المتطور الذي تتبعه أوروبا في التجارة
كما يرتبط أي تعديل للأجندة الخضراء أيضاً بالنهج الأوسع للتجارة. فقد أصبح هذا بالفعل تحت الضغط ليس فقط من الالتزام السياسي بإزالة الكربون ولكن أيضاً الاعتبارات الجيوسياسية (..).
ويلفت كاتب المقال إلى أن “أحزاب اليمين المتطرف لا تنتمي في كثير من الأحيان إلى أنصار التجارة الحرة الكبار”، موضحاً أن غريزة بناء حدود أقوى لها أهمية في الاقتصاد أيضاً، في الوقت الذي يعانون فيه من بعض الارتباك حول كيفية التفكير في الصين.
فبينما ينبغي لقوميتهم أن تصلح لتقريع الصين، لكن البعض معجب بالنموذج الصيني، وقد أظهر الزعيم المجري فيكتور أوربان التدفقات الاستثمارية التي هي مكافأة لصداقته مع بكين.
وفي الوقت نفسه، فإن تلك الأحزاب ليست حريصة للغاية على السياسات الأوروبية اللازمة لاستكمال خط متشدد ضد الصين، وخاصة السياسة الصناعية النشطة المشتركة لبناء صناعات خضراء رائدة في الداخل.
لذا، فليس من الواضح إلى حد ما كيف تتشكل أجندة التجارة من خلال التحول إلى اليمين، إلا أن الأمر سيصبح بالتأكيد أكثر تعقيدًا.
ثالثا:الميزانية
أما القضية الاقتصادية الثالثة التي يطرحها كاتب المقال، فترتبط بالمفاوضات المقبلة بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي. وسوف يبدؤون بشكل جدي في العام المقبل، ضمن ميزانية مدتها سبع سنوات تبدأ من بداية العام 2028.
والمخاطر هنا بحسب وصف كاتب المقال “كبيرة”، وهي تشمل حجم الإنفاق (وما إذا كان هناك ما يبرر تكرار صندوق التعافي بعد الجائحة)، وكيفية تمويل أية زيادة، وعلى ماذا يتم إنفاقها؟ سياسة صناعية رقمية أم خضراء؟ أو البنية التحتية؟ ووضع الاعتبارات الاجتماعية؟ وما الذي يجب فعله بشأن الإعانات الزراعية التي لا تزال تستحوذ على ثلث الميزانية أو نحو ذلك؟  وهناك أيضاً مسألة ما إذا كان ينبغي إنفاق هذه الأموال على مشاريع عبر الحدود.
من المحتم أن يؤثر تعزيز اليمين المتطرف بشكل خاص والأحزاب اليمينية بشكل عام على القوة النسبية وراء الأولويات البديلة.
لا شك أن الدفاع سيحظى بمزيد من الاهتمام. ولكن هل سيتم تقليص الإنفاق الزراعي، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فأين يمكن إيجاد الأموال الإضافية؟ وكيف سيتعامل اليمين مع السياسة الصناعية وسياسة البنية التحتية؟
خرائط جديدة
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
“من أهم تداعيات هذه الانتخابات في اعتقادي أن نتائجها تأتي انعكاساً لتراجع نمط العيش والرفاه وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه معظم البلدان الأوروبية، والتي تأثرت كغيرها بشدة من الأزمة التي يختبرها الاقتصاد العالمي منذ جائحة كورونا في العام 2020”.
“الأوروبيون كان عليهم الاختيار بين المكونات السياسية التقليدية وبين أحزاب اليمين واليسار والوسط، خاصة وأنه في قلب هذه الانتخابات تأتي الحملات ضد المهاجرين وقضايا اللجوء والتحذير من عدم اندماج المكونات الاجتماعية التي تعود أصولها إلى بلدان غير أوروبية”.
ويشير القاسم إلى صعود اليمين في معظم الدول الأوروبية والذي يطرح شعار “أوروبا للأوروبيين”، سواء في التشغيل وحركة الاقتصاد والعمالة، وفي سياسات الهجرة، وواقع التعددية والحريات الدينية والثقافية.
لذلك، فإن:
النتائج التي تحرزها قوى اليمين الشعبوي ستؤدي حتماً إلى رسم خرائط سياسية جديدة داخل البرلمان الأوروبي ومنه في عدد من الدول.
يسفر ذلك عن خلل في التوازنات القائمة منذ عقود، بفعل اتساع الكتلة الانتخابية لليمين المتطرف.
كما سيكون للفائزين الجدد دور في تغيير منظومة التشريعات والقوانين، وفي السياسات الخارجية للاتحاد وعلاقاته التجارية والاقتصادية، كما بدأنا نرى ذلك في بعض الدول الأوروبية.
“هذا مردوده في جزء كبير منه إلى التوترات والحروب، سواء مع روسيا في أوكرانيا، أو إسرائيل وغزة في الشرق الأوسط أو التوترات في البحر الأحمر وفي آسيا كذلك، وهو ما انعكس على أوروبا التي تعد الأكثر تأثراً سياسياً واقتصادياً لقربها من الشرق الأوسط وتداخل مصالحها فيه”.
ويوضح أنه من المتعارف عليه كلما ساء الوضع الاقتصادي انعكس ذلك على الحياة السياسية والاجتماعية، ليس في أوروبا فحسب، بل في جميع دول العالم.
أوروبا.. زلزال صعود اليمين
تحولات قوية
بدوره، يقول خبير العلاقات الدولية من القاهرة، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
لا شك في أن نتائج الانتخابات الأوروبية تحظى باهتمام دولي واسع؛ خاصة أنها تعكس بصورة أو بأخرى مستقبل القارة خلال المرحلة المقبلة.
نحن نتحدث عن إشكالية في غاية الأهمية وهي التحولات التي قد تحدث في ظل تصاعد اليمين، بما سيؤثر على مستقبل القارة، وقد يزيد من الصراع أو الأزمات السياسية داخل القارة الأوروبية.
صعود اليمين في ألمانيا (صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي) يشكل أمراً لافتاً، وأيضاً الحديث عن فوز اليمين في فرنسا.. هذه النتائج ستنعكس بصورة مباشرة على الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك العملية الروسية في أوكرانيا وعلاقات أوروبا مع دول مثل الصين والدول العربية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى