من القلب

الشحرورة صباح والأسطورة “بيارو” والفرح ثالثهما

سنوات ست مضت على رحيل أسطورة الفرح والحب والغناء، سنوات ست تغيرت فيها أحلام كثيرة وتحققت فيها المعجزات، معجزات القيامة، النجاة من الموت، معجزات حب الحياة رغم لا عدالتها، معجزات رافقت أمانينا وأقنعتنا بـ “بكرا بتشرق شمس العيد وبتبشر بنهار جديد، و”ساعات ساعات” وهيهات من أغان حملت رسمت لنا التفاؤل والتحدي والبسمة التي لا تغيب.

صباح الأمثولة رحلت ورغم رحيلها لا زلنا نغرف من نهج كتاب حياتها الكثير، أو ليست هي من بدأت مشوارها الفني بفشل ذريع يوم حرمتها لجنة التحكيم في الإذاعة اللبنانية من الإنضمام إلى فنانيها المعتمدين كونها لا تصلح للغناء، وكان يومها شرف الإنتماء الى وحداتها شرف جليل عظيم؟ فتحدّت نفسها وقبل الجميع لتصبح نجمة النجمات وسيدة الفرح والعطاء وحاصدة الألقاب والألقاب كأني بها زهرة أقحوان تقدم بنغمات صوتها الرنان دروسًا وعبر في الصبر وعشق الحب والحياة. أو ليست هي من طلب عزف أغانيها في وداعها الأخير والفرح عوض النحيب والبكاء؟ إنها هي فنانة البلد الأغلى على قلبها وفنانتنا المحبوبة التي ورغم آلامها ومشاكلها الشخصية لم تستطع أن تكون الّا الصبوحة المشرقة والأمل الذي لا يغيب.

رافقت صباح صباحاتنا كما أمسياتنا، رافقت أهالينا كما بيوتاتنا، غنت لنا ولكل فرد منا، غنت للعسكر فتحولت “تعلا وتتعمر يا دار” إلى مهرجان وطني لا دار له، غنت الحنين برحلة بيروتية ولا أروع فكانت “ألو بيروت” الإختزال الرائع لمشهدية فنية جذابة، غنت الأمومة مع “حبيبة أمها” فكانت خير من أوصل العلاقة الشفافة بين الأم وابنتها،غنت الحب والفرح و”الضيعة الحلوة” و “المجوز لصاحبه عبود” و”الزقفة للشباب” والسماح بـ “جاني وطلب السماح” وغيرها الكثير من أغان مثّلت واقع الحياة فكانت واحدة من جمهورها، هذا الجمهور الذي نقلت إليه ما يحب وما يود فكانت حقيقية، شفافة لم تسرق منها شهرتها العالمية أي من مشاعر الإنسانية والتعاطف ومحبة الاخرين.

ويستحضرني في واقع هذا الحال، صديق العائلة – بيارو – رحمه الله، ذاك الشاب المجروح بذكائه العاشق المتيّم بصوت صباح وأغانيها فكان خير من غنّى لها بطريقة فيها من الشغف ما يجبرنا ونحن في مطلع شبابنا أن نستسيغ الجلسات معه لما تحمله من فرح وهناء وسفر إلى عالم مجهول مفروش بالصفاء لا نكهة فيه إلا بساطة غناء بيارو بـ “عالبساطة” و “ع الندا الندا” و “مرحبتين” و “زي العسل” و “عبدو عبيد” وغيرها الكثير لتكون “يا دلع دلع” الختام المسك لشدة حبه لها.

الصديق بيارو اختارته السماء قبل صباح بقليل، لا زلنا نتذكره أنا وأخوتي والعائلة كل مرة استمعنا إلى إحدى أغنيات الصبوحة، فهو وإن كان يكبرنا بسنوات ومن عالم خاص أجمل من عالمنا، استطاع بحبه للشحرورة هو وأصدقائه ممن حرموا نعمة الكمال الجسدي أو جرحوا بذكاءهم أن يكونوا الأمثولة الحية لما أرادت فنانتنا أن تعلمنا على مر الأجيال من حب للحياة وعيش الغنى الحقيقي بالغناء الحامل كل ألوان السعادة بوصيّة ستكررها الأجيال القادمة بإذن الله.

قصة صباح وبيارو خير دليل على عدالة الموت في هذه الحياة، رحلا ولم يأخذا إلا سيرتهما المليئة بالفرح، هو عاش فقيرًا سعيدًا مع ظروف هذا الفقر ومات كما عاش، وهي عاشت غنية سعيدة بهذا الغنى لكنها ماتت وليست كما عاشت، رحلا ولم يتركا إلّا ذاك الإرث المليء محبة الناس وانشغالهم به، فلماذا لا يتّعظ من يسرقنا ويتباهى بمنصب نصّبه وليًّا علينا ويفهم أننا كلنا إلى التراب سنعود ومهما علا شأنه وتباهى بما نهبه وبما لم يعطَ له أن النهاية واحدة، والغنى بالعبرة التي تتركها السيرة الذاتية ومد يد العون لمن يحتاجها.

شكرًا صباح وشكرًا لما تعلمناه من مدرستك الرائعة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى